فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا رَوَاهُ مُهَنَّا قَالَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ مُسْلِمَةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ، فَقَالَ فِي مَرَضِهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمًّ أَسْلَمَتْ النَّصْرَانِيَّةُ، ثُمًّ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا جَمِيعًا؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، قُلْت لَهُ يَكُونُ لِلنَّصْرَانِيَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ مَا لِلْمُسْلِمَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْت: إنَّهُمْ يَقُولُونَ: لِلنَّصْرَانِيَّةِ رُبُعُ الْمِيرَاثِ، وَلِلْمُسْلِمَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ؟ فَقَالَ: لِمَ؟ فَقُلْت: لِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ رَغْبَةً فِي الْمِيرَاثِ، قُلْت: وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ نَصَّ عَلَى الْقُرْعَةِ بَيْنَهُمَا وَنَصَّ عَلَى قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَمَا فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ؟ وَلَا يُقَالُ: الْقُرْعَةُ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ، حَيْثُ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، فَإِنَّكُمْ صَرَّحْتُمْ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتَدُّ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَدْنَاهُمَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَعَلَى هَذَا: لَا تَبْقَى لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ أَصْلًا، فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمِيرَاثِ، وَيَتَسَاوَيَانِ فِي الْعِدَّةِ.
قِيلَ: الْإِقْرَاعُ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْمِيرَاثِ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّ الْمَبْتُوتَةَ تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ: أَنْ يَكُونَ قَدْ عَيَّنَ النَّصْرَانِيَّةَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهَا تَرِثُ، وَلَوْ طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَرِثَتَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الْقُرْعَةُ: فَلِإِخْرَاجِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ وَإِحْدَاهُمَا زَوْجَتُهُ، وَالْأُخْرَى غَيْرُ زَوْجَتِهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى إحْدَاهُمَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهَا الْمِيرَاثُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِدَّةُ تَابِعَةٌ لِلْمِيرَاثِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهِيَ فِيهِ أَجْنَبِيَّةٌ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ إلَى حِينِ الْمَوْتِ، لَمْ يَرْجِعْ فِي تَرِكَتِهِ بِالنَّفَقَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حِرْمَانِ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَرِثُ. قِيلَ: التُّهْمَةُ قَائِمَةٌ، لِأَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلِمَ قَبْلَ مَوْتِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لِلنَّصْرَانِيَّةِ رُبُعُ الْمِيرَاثِ، وَلِلْمُسْلِمَةِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِهِ: فَلَا يُعْرَفُ مَنْ الْقَائِلُ بِهَذَا، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ، وَتَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهَا أَسْلَمَتْ رَغْبَةً فِي الْمِيرَاثِ: أَغْرَبُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ ثَلَاثَة نِسْوَة فطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَمْ يَدْرِي أَيَّتهنَّ ثُمَّ مَاتَ]
١٣١ - (فَصْلٌ)
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّتَهُنَّ، ثُمًّ مَاتَ، قَالَ: " يَنَالُهُنَّ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يَنَالُهُنَّ مِنْ الْمِيرَاثِ " وَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute