بِقُرْطُبَةَ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ - أَنَّهُ حَلَّفَ شُهُودًا فِي تَرِكَةٍ بِاَللَّهِ أَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَحَقٌّ.
قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَى لِفَسَادِ النَّاسِ أَنْ يُحَلِّفَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ. وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَحْلِيفَ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتَحْلِيفِ الْمَرْأَةِ إذَا شَهِدَتْ فِي الرَّضَاعِ، وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْلِفُ الشَّاهِدُ عَلَى أَصْلِنَا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ.
قَالَ شَيْخُنَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: هَذَانِ الْمَوْضِعَانِ قُبِلَ فِيهِمَا الْكَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَحْدَهَا لِلضَّرُورَةِ، فَقِيَاسُهُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِلضَّرُورَةِ اُسْتُحْلِفَ. قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَرِّقَ الشُّهُودَ إذَا ارْتَابَ فِيهِمْ، فَأَوْلَى أَنْ يُحَلِّفَهُمْ إذَا ارْتَابَ بِهِمْ.
[فَصَلِّ وَالتَّحْلِيف ثَلَاثَة أَقْسَام]
[فَصْل تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي]
٦١ - (فَصْلٌ)
وَالتَّحْلِيفُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي، وَتَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَحْلِيفُ الشَّاهِدِ. فَأَمَّا تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي: فَفِي صُوَرٍ: أَحَدُهَا: الْقَسَامَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ: قَسَامَةٌ فِي الدِّمَاءِ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهَا السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، وَأَنَّهُ يُبْدَأُ فِيهَا بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، وَيَحْكُمُ فِيهَا بِالْقِصَاصِ، كَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالنِّزَاعُ فِيهَا مَشْهُورٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
وَالثَّانِيَةُ: الْقَسَامَةُ مَعَ اللَّوْثِ فِي الْأَمْوَالِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: إذَا أَغَارَ قَوْمٌ عَلَى بَيْتِ رَجُلِ وَأَخَذُوا مَا فِيهِ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ مَا أَخَذُوا، وَلَكِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ أَغَارُوا وَانْتَهَبُوا. فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهِبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي مُنْتَهِبِ الصُّرَّةِ يَخْتَلِفَانِ فِي عَدَدِهَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهِبِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ حَبِيبٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهَبِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ فِيمَا يُشْتَبَهُ وَيُحْتَمَلُ عَلَى الظَّالِمِ.
قَالَ مُطَرِّفٌ: وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْمُغِيرِينَ ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ رِفَاقُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ عَوْنٌ لِبَعْضٍ - كَالسُّرَّاقِ وَالْمُحَارَبِينَ، وَلَوْ أَخَذُوا جَمِيعًا وَهُمْ أَمْلِيَاءُ، فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يَنْوِ بِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فِي الضَّمَانِ. قَالُوا: وَالْمُغِيرُونَ كَالْمُحَارَبِينَ إذَا شَهَرُوا السِّلَاحَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَابَرَةِ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى تَأْمِرَةٍ بَيْنَهُمْ،