يَقُولُ، يَقْضِي بِعِلْمِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا يُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَيُفَارِقُهَا مِنْ وَجْهٍ. فَشُبِّهَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ؛ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ تُهْمَةٍ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ أَنَّ الْإِقْرَارَ بَيِّنَةٌ قَامَتْ فِي مَجْلِسِهِ؛ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ: اسْمٌ لِمَا يُبَيَّنُ بِهِ الْحَقُّ، فَعَلِمَ الْحَقَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ الَّذِي انْتَصَبَ فِيهِ لِلْحُكْمِ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ الشَّاهِدَيْنِ، فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ شَاهِدَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ.
[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي حُكْم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ]
٨٥ - (فَصْلٌ)
الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ:
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَفِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا: - وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ - أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِلْمِهِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا.
وَالثَّالِثَةُ: يَجُوزُ إلَّا فِي الْحُدُودِ.
وَلَا خِلَافَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى عِلْمِهِ، فِي عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ عَمَّا عَلِمَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقْضِي بِعِلْمِهِ قَطْعًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ يَقْضِي بِهِ.
قَالُوا: لِأَنَّهُ يَقْضِي بِشَاهِدَيْنِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ ظَنًّا، فَالْعِلْمُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ؛ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي وَصَحَّ كَذَا وَكَذَا أُلْزِمَ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَمْ يَبْحَثْ عَمَّا ثَبَتَ بِهِ وَصَحَّ وَالتُّهْمَةُ قَائِمَةٌ. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْإِنْشَاءَ، مَلَكَ الْإِخْبَارَ. ثُمَّ بَنَوْا عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا عَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا، وَمَا عَلِمَهُ فِي غَيْرِهَا.
قَالُوا: فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَذَلِكَ إذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ، أَمَّا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ يَعْرِفُ عَدَالَتَهُمَا، فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ، وَيُغْنِيهِ عِلْمُهُ بِهِمَا عَنْ تَزْكِيَتِهِمَا. وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: لَا يُغْنِيهِ ذَلِكَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute