وَأَمَّا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا يُوجِبُ الْحَدَّ، لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُ التَّعْزِيرَ - كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّهُ فَاحِشَةٌ، وَإِيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، فَأَشْبَهَ الزِّنَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي.
وَالثَّانِي: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَيَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي ": وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا: فَكُلُّ زِنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، كَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، اهـ.
وَأَمَّا الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَارِضٍ - كَوَطْءِ امْرَأَتِهِ فِي الصِّيَامِ، وَالْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ - فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَيَكْفِي فِيهِ شَاهِدَانِ، وَكَذَلِكَ وَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا.
٧٥ - (فَصْلٌ)
وَأَلْحَقَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِالزِّنَا - فِي اعْتِبَارِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ كُلَّ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، وَحَكَى ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَهَذَا إنْ كَانَ فِي الْقَتْلِ حَدًّا - فَلَهُ وَجْهٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَتْلِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الزِّنَا مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَلَّظَ أَمْرَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي بَابِ الْفَاحِشَةِ، سَتْرًا لِعِبَادِهِ، وَشَرَعَ فِيهَا عُقُوبَةَ مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَشَرَعَ فِيهَا الْقَتْلَ عَلَى أَغْلَظِ الْوُجُوهِ وَأَكْرَهِهَا لِلنُّفُوسِ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعَبْد والأمة]
٧٦ - (فَصْلٌ)
الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ.
فِي كُلِّ مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ تُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ، فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ.
وَقَدْ حُكِيَ إجْمَاعٌ قَدِيمٌ، حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَدَّهَا إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَاشْتَهَرَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَصَارَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يُفْتُونَ وَيَقْضُونَ بِأَقْوَالِهِمْ، فَصَارَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَلَمَّا كَانَ مَشْهُورًا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَبِلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ " وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ ضِدَّ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute