أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْوُثُوقِ بِهِ، إذْ تَحْمِلُهُ قِلَّةُ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ، وَنُقْصَانُ وَقَارِ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ - عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ.
الثَّانِي: هَجْرُهُ عَلَى إعْلَانِهِ بِفِسْقِهِ وَمُجَاهَرَتِهِ بِهِ فَقَبُولُ - شَهَادَتِهِ إبْطَالٌ لِهَذَا الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا. فَإِذَا عَلِمَ صِدْقَ لَهْجَةِ الْفَاسِقِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ - وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِغَيْرِ الْكَذِبِ - فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ، وَقَدْ اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادِيًا يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَثِقَ بِقَوْلِهِ أَمَّنَهُ، وَدَفَعَ إلَيْهِ رَاحِلَتَهُ، وَقَبِلَ دَلَالَتَهُ (٤٧) .
وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ: إذَا شَهِدَ الْفَاسِقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ فِي الْقَضِيَّةِ، وَقَدْ يَحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَدَارَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَرَدِّهَا، عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّ الصِّدْقِ وَعَدَمِهِ. وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ الْعَدَالَةَ تَتَبَعَّضُ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ عَدْلًا فِي شَيْءٍ، فَاسِقًا فِي شَيْءٍ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ عَدْلٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ: قَبِلَ شَهَادَتَهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ فِسْقُهُ فِي غَيْرِهِ. وَمَنْ عَرَفَ شُرُوطَ الْعَدَالَةِ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْكَافِر]
٧٩ - (فَصْلٌ)
الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: شَهَادَةُ الْكُفَّارِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَالثَّانِيَةُ: شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَقَالَ حَنْبَلٌ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: " تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ ".
قَالَ حَنْبَلٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَجُوزُ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْمَرُّوذِيِّ وَحَرْبٍ وَالْمَيْمُونِيِّ وَأَبِي الْحَارِثِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ وَأَبِي طَالِبٍ - وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: ١٤]- وَصَالِحٍ ابْنِهِ، وَأَبِي حَامِدٍ الْخَفَّافِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، وَمُهَنَّا بْنِ يَحْيَى، فَقَالَ لَهُ مُهَنَّا: أَرَأَيْتُ إنْ عَدَلُوا؟ قَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُهُمْ؟ الْعِلْجُ مِنْهُمْ؟ وَأَفْضَلُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute