وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، فَرَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ؟ قَالَ: يَلْزَمُهُ، وَيُرَدُّ الْحُكْمُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: إنْ أَتْلَفَ الشَّيْءَ كَانَ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ هَاهُنَا بِشَهَادَتِهِ، لَيْسَتْ الْيَمِينُ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدُ؟ قَالَ: يَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ، بِهِ كَانَ الْحُكْمُ.
وَقَالَ ابْنُ مُشَيْشٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: إذَا اسْتَحَقَّ الرَّجُلُ الْمَالَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدٌ: غَرِمَ نِصْفَ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ: غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ. قُلْتُ: الْمَالُ كُلُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بَخْتَانَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: يُرَدُّ الْمَالُ. قُلْتُ. أَيْشٍ مَعْنَى الْيَمِينِ؟ فَقَالَ: قَضَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ الشَّهَادَةِ كَمْ يَغْرَمُ؟ قَالَ: الْمَالَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا؟ قُلْتُ: لَا أَحْفَظُهُ. قُلْتُ لَهُ - بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ - إنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ، لِأَنِّي إنَّمَا حَكَمْتُ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِ، وَيَمِينِ الطَّالِبِ، فَلَمْ أَرَهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - كَقَوْلِ مَالِكٍ -: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ قَامَتْ مَقَامَ الشَّاهِدِ، فَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِمَا. وَأَحْمَدُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةُ الدَّعْوَى، فَكَانَ مُنْفَرِدًا بِالضَّمَانِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى مُطَالَبَةِ الْحُكْمِ بِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً لَكُنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهَا حُجَّةً بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ": وَاحْتَجَّ - يَعْنِي: الْمُنَازِعَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ - بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُ الْمُدَّعِي كَشَاهِدٍ آخَرَ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى الشَّاهِدِ الَّذِي عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ أَيَّهُمَا شَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute