للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: وَإِذَا نَسِيَ الْقَاضِي حُكْمًا حَكَمَ بِهِ، فَشَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَضَى بِهِ: نَفَذَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ.

وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهَا، بَلْ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً عَلَى اعْتِمَادِ الرَّاوِي عَلَى الْخَطِّ الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ، وَجَوَازِ التَّحْدِيثِ بِهِ، إلَّا خِلَافًا شَاذًّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى ذَلِكَ لَضَاعَ الْإِسْلَامُ الْيَوْمَ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ بِأَيْدِي النَّاسِ - بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ - إلَّا هَذِهِ النُّسَخُ الْمَوْجُودَةُ مِنْ السُّنَنِ، وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ: الِاعْتِمَادُ فِيهَا عَلَى النُّسَخِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ كُتُبَهُ إلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَقُومُ بِهَا حُجَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُشَافِهُ رَسُولًا بِكِتَابِهِ بِمَضْمُونِهِ قَطُّ، وَلَا جَرَى هَذَا فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَدْفَعُ الْكِتَابَ مَخْتُومًا، وَيَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِسِيرَتِهِ وَأَيَّامِهِ.

وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» .

وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ لَمْ تَكُنْ لِكِتَابَةِ وَصِيَّةٍ فَائِدَةٌ.

قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَمُوتُ، وَتُوجَدُ لَهُ وَصِيَّةٌ تَحْتَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا، هَلْ يَجُوزُ إنْفَاذُ مَا فِيهَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ: فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا فِيهَا.

وَقَدْ نَصَّ فِي الشَّهَادَةِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَرَأَى خَطَّهُ: لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَهَا. وَنَصَّ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا: أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ إلَّا أَنْ يَسْمَعُوهَا مِنْهُ، أَوْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ فَيُقِرُّ بِهَا.

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمَ الْأُخْرَى، وَجَعَلَ فِيهَا وَجْهَيْنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَمِنْهُمْ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّخْرِيجِ، وَأَقَرَّ النَّصَّيْنِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

وَاخْتَارَ شَيْخُنَا التَّفْرِيقَ، قَالَ: وَالْفَرْقُ: أَنَّهُ إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ، وَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ، لِجَوَازِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْوَصِيَّةِ وَيَنْقُصَ وَيُغَيِّرَ، وَأَمَّا إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ ثُمَّ مَاتَ، وَعَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ بِهِ لِزَوَالِ هَذَا الْمَحْذُورِ.

<<  <   >  >>