وَمِنْهَا: مَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالطِّبِّ، كَالْمُوضِحَةِ وَشَبَهِهَا، وَدَاءِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْبَيْطَارُ. فَتُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ طَبِيبٍ وَاحِدٍ وَبَيْطَارٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَإِنْ أَمْكَنَ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُكْتَفَى بِدُونِهِمَا، أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ. وَيَتَخَرَّجُ قَبُولُ قَوْلِ الْوَاحِدِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ وَالْقَائِفِ وَحْدَهُ.
٥٤ - (فَصْلٌ)
وَمِنْهَا: مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، مِنْ الْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ وَالْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ، وَالْحَيْضِ وَالْعِدَّةِ، فَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الْعَدَالَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: فَقَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: دَعْهَا عَنْكَ» . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْأَحْكَامِ: قَبُولُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَقَبُولُ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا، وَقَبُولُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْقَاسِمِ وَالْخَارِصِ، وَالْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ: رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَقَامَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ مَقَامَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَقَلُّ نِصَابًا فِي الشَّهَادَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، لِأَنَّهُنَّ كَرَجُلَيْنِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِاسْتِشْهَادِ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، فَعَلِمَ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ مَقَامُ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.
وَقَدْ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ فِي الِاسْتِهْلَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ لَصِرْنَا إلَيْهِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَوْ صَحَّتْ شَهَادَتُهَا لَقُلْنَا بِهِ. وَلَا نَعْرِفُ اشْتِرَاطَ الْأَرْبَعَةِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ عَطَاءٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ رُوِيَ عَنْهُ: " لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِهْلَالِ إلَّا أَرْبَعَ نِسْوَةٍ " ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ.
وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ» .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ: لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الْأَعْمَشِ، بَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ. هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute