شَهَادَتَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ الْقُدْوَةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ " لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ الْعَبْدِ "، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " لَكِنَّا نُجِيزُهَا " فَكَانَ شُرَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُجِيزُهَا إلَّا لِسَيِّدِهِ: " وَبِهِ، عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ؟ فَقَالَ: جَائِزَةٌ ".
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، قَالَ: " شَهِدْتُ شُرَيْحًا شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدٌ عَلَى دَارٍ، فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ، فَقِيلَ: إنَّهُ عَبْدٌ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلّنَا عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ ".
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ بَأْسًا إذَا كَانَ عَدْلًا.
وَقَالَ عَطَاءٌ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.
قَالَ: سُئِلَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ؟ فَقَالَ: أَنَا أَرُدُّ شَهَادَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ؟ يَعْنِي إنْكَارًا لِرَدِّهَا.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ ".
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَرَدَّتَهَا طَائِفَةٌ مُطْلَقًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَبِلَتْهَا طَائِفَةٌ مُطْلَقًا حَتَّى لِسَيِّدِهِ وَقَبِلَتْهَا طَائِفَةٌ مُطْلَقًا إلَّا لِسَيِّدِهِ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْعَبْدِ قَالَ: " لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَتَجُوزُ لِغَيْرِهِ " وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَأَجَازَتْهَا طَائِفَةٌ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ.
وَاَلَّذِينَ رَدُّوهَا بِكُلِّ حَالٍ مِنْهُمْ مَنْ قَاسَ الْعَبْدَ عَلَى الْكَافِرِ، لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، وَذَلِكَ بِالْكُفْرِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ فِي الْعَالَمِ، وَفَسَادُهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] وَالشَّهَادَةُ شَيْءٌ، فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي جَوَابِ ذَلِكَ: تَحْرِيفُ كَلَامِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ يُهْلِكُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ كُلَّ عَبْدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، إنَّمَا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَثَلَ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ الْعَبِيدِ أُقْدَرُ عَلَى الْأَشْيَاءِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْرَارِ.
وَنَقُولُ لَهُمْ: هَلْ يَلْزَمُ الْعَبِيدَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالطَّهَارَةُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْفُرُوجِ