فَقَالُوا: زَنَى، فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ؟» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَأَقَامَ الْحَدَّ بِقَوْلِهِمْ، وَلَمْ يَسْأَلْ الْيَهُودِيَّ وَالْيَهُودِيَّةَ، وَلَا طَلَبَ اعْتِرَافِهِمَا وَإِقْرَارِهِمَا، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ بِجَمِيعِ طُرُقِهَا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ رَجَمَهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا، وَلَمَّا أَقَرَّ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ وَالْغَامِدِيَّةُ: اتَّفَقَتْ جَمِيعُ طُرُقِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ.
قَالُوا: وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ «أَنَّهُ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ؛ فَقَالَ: مَا بَالُهُ؟ قَالُوا زَنَى، قَالَ: ائْتُونِي بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ» .
قَالُوا: وَقَدْ أَجَازَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَاجَةِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَاجَتَهُمْ إلَى قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ الْكُفَّارَ يَتَعَامَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ؛ مِنْ الْمُدَايَنَاتِ، وَعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا؛ وَتَقَعُ بَيْنَهُمْ الْجِنَايَاتُ؛ وَعُدْوَانُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ وَلَا يَحْضُرُهُمْ فِي الْغَالِبِ مُسْلِمٌ، وَيَتَحَاكَمُونَ إلَيْنَا، فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى تَظَالُمِهِمْ؛ وَضَيَاعِ حُقُوقِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ كَبِيرٌ؛ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.
قَالُوا: وَالْكَافِرُ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا فِي دِينِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ، صَادِقَ اللَّهْجَةِ عِنْدَهُمْ، فَلَا يَمْنَعُهُ كُفْرُهُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ إذَا ارْتَضَوْهُ، وَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ الْكُفَّارِ يَصْدُقُ فِي حَدِيثِهِ، وَيُؤَدِّي أَمَانَتَهُ، بِحَيْثُ يُشَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَيَشْتَهِرُ بِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ يَسْكُنُ الْقَلْبَ إلَى صِدْقِهِ، وَقَبُولِ خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ مَا لَا يَسْكُنُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُعَامَلَتَهُمْ، وَأَكْلَ طَعَامِهِمْ؛ وَحِلَّ نِسَائِهِمْ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الرُّجُوعَ إلَى أَخْبَارِهِمْ قَطْعًا، فَإِذَا جَازَ لَنَا الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute