أَبُو مُوسَى بَعْدَ الْعَصْرِ: مَا اشْتَرَيْنَا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، وَلَا كَتَمْنَا شَهَادَةً إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ مَا قُضِيَ فِيهَا مُذْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بَاذَانَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ قَالَ: " بَرِئَ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْرِ عَدِيِّ بْنِ بِدَاءَ - وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إلَى الشَّامِ [قَبْلَ الْإِسْلَامِ]- فَأَتَيَا الشَّامَ [لِتِجَارَتِهِمَا] ، وَقَدِمَ بُزَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ مَوْلَى بَنِي سَهْمٍ - وَمَعَهُ جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ [يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ] ، هُوَ أَعْظَمُ تِجَارَتِهِ، فَمَرِضَ، فَأَوْصَى إلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ.
قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا الْجَامَ، فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اقْتَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيُّ بْنُ بِدَاءٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا دَفَعْنَا مَالَهُ إلَى أَهْلِهِ، فَسَأَلُوا عَنْ الْجَامِ؟ فَقُلْنَا: مَا دَفَعَ إلَيْنَا غَيْرَ هَذَا، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ، فَأَخْبَرْتُهُمْ الْخَبَرَ، وَأَدَّيْتُ إلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخْبَرَتْهُمْ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مِثْلَهَا، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يُجِيبُوا، فَأَحْلَفَهُمْ بِمَا يَعْظُمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ.
فَحَلَفَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَخُو سَهْمٍ، فَنُزِعَتْ الْخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بِدَاءٍ ".
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعَدِيُّ بْنُ بِدَاءٍ يَخْتَلِفَانِ إلَى مَكَّةَ بِالتِّجَارَةِ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ فَأَوْصَى إلَيْهِمَا، فَدَفَعَا تَرِكَتَهُ إلَى أَهْلِهِ، وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مَخُوصًا بِالذَّهَبِ، فَتَفَقَّدَهُ أَوْلِيَاؤُهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَلَّفَهُمَا: مَا كَتَمْنَا، وَلَا أَضَعْنَا، ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا بِاَللَّهِ: إنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ، وَلَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ، فَأَخَذَ الْجَامَ، وَفِيهِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute