للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِنْ اطَّلَعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا، حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ، أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا، وَاسْتَحَقُّوا ". وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] قَالَ: " مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ". وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ " وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى مِثْلُهُ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ ذَلِكَ. فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ.

وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَشُرَيْحٌ، وَعُبَيْدَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالسَّعِيدَانِ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَمِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ: كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ.

وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: كَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ الْآيَةِ عَلَى ثَلَاثٍ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] أَيْ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ فِيهَا: أَيْمَانُ الْوَصِيِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِلْوَرَثَةِ، لَا الشَّهَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ.

قَالَ الْقَائِلُونَ بِهَا: أَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ فَبَاطِلَةٌ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ حُكْمَهَا بَاطِلٌ، لَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَقْبُولٍ إلَّا بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ قَطُّ أَنْ يَأْتِيَ بِنَصٍّ صَحِيحٍ صَرِيحٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ مُخَالِفٌ لَهَا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَإِنْ وَجَدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا صَحَّ النَّسْخُ، وَإِلَّا فَمَا مَعَهُ إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ، ثُمَّ قَدْ قَالَتْ أَعْلَمُ نِسَاءِ الصَّحَابَةِ بِالْقُرْآنِ: إنَّهُ لَا مَنْسُوخَ فِي الْمَائِدَةِ، وَقَالَهُ غَيْرُهَا أَيْضًا مِنْ السَّلَفِ، وَعَمَلَ بِهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ، وَلَوْ جَازَ قَبُولُ دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا حُجَّةٍ لَكَانَ كُلُّ مَنْ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِنَصٍّ يَقُولُ: هُوَ مَنْسُوخٌ، وَكَأَنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ النَّصِّ مَنْسُوخًا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْعَمَلَ بِهِ، وَأَبْطَلَ كَوْنَهُ مِنْ الدِّينِ وَالشَّرْعِ، وَدُونَ هَذَا مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيهَا الْأَعْنَاقُ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] أَيْ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ: فَلَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ خِطَابٌ لِقَبِيلَةٍ دُونَ قَبِيلَةٍ، بَلْ هُوَ خِطَابٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا

<<  <   >  >>