للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ أَيْمَانَ الزَّوْجِ شَهَادَةً لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، وَلِذَلِكَ تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ إذَا نَكَلَتْ، وَسُمِّيَ أَيْمَانُهَا شَهَادَةً، لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ شَهَادَةِ الزَّوْجِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ خُصَّتْ مِنْ بَيْنَ الْأَيْمَانِ بِلَفْظِ " الشَّهَادَةُ. بِاَللَّهِ " تَأْكِيدًا لِشَأْنِهَا، وَتَعْظِيمًا لِحَظْرِهَا.

الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ قَالَ: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: ١٠٦] وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ: أَيْمَانُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا يَحْتَاجُ لِلشَّاهِدَيْنِ، لَا إلَى الْيَمِينِ.

الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَكَمَ بِهِ - وَحَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ - هُوَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ قَطْعًا، وَمَا عَدَاهُ بَاطِلٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُرْغَبَ عَنْهُ. أَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالْقِيَاسِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ الْكَافِرِ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الشَّاهِدَيْنِ، وَالشَّاهِدُ لَا يُحْبَسُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْلِيفَهُمَا، وَالشَّاهِدُ لَا يَحْلِفُ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْلِيفَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ: أَنَّ شَهَادَتَهُمَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ الْمُدَّعِينَ لِأَنْفُسِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِمُجَرَّدِ أَيْمَانِهِمْ.

السَّادِسُ: أَنَّ أَيْمَانَ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ الَّتِي قُدِّمَتْ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ لَمَّا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُمَا: إنْ كَانَتْ شَهَادَةً، فَكَيْفَ يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا؟ وَإِنْ كَانَتْ أَيْمَانًا، فَكَيْفَ يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بِلَا شَاهِدٍ لَا رَدَّ؟ .

السَّابِعُ: أَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْقَسَامَةَ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْحُكْمِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، وَلَا يُعْرَفُ بِهَذَا الْقَائِلُ فَهَذَا - وَأَمْثَالُهُ - مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا، وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّهَا اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ وَكِتَابِهِ.

فَالْجَوَابُ عَنْهَا: بَيَانُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِنَصِّ الْآيَةِ، مُعَارِضَةٌ لَهَا، فَهِيَ مِنْ الرَّأْيِ الْبَاطِلِ، الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَقَالُوا: إنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَتَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِسْقَاطَ مَا فَرَضَ اللَّهُ، وَلِهَذَا اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ السَّلَفِ عَلَى ذَمِّ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الرَّأْيِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ وَأَمْثَالِهَا، وَلَكِنْ نَذْكُرُ الْجَوَابَ بَيَانًا لِلْحِكْمَةِ، وَأَنَّ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ، وَهُوَ أَعْدَلُ مَا يَحْكُمُ بِهِ، وَخَيْرٌ مِنْ كُلِّ حُكْمٍ سِوَاهُ {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠] .

<<  <   >  >>