وَالْقِصَاصِ، وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلَايَتِهِ، قَالَ: وَأَقْوَى مَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ بِالْبَيِّنَةِ.
٨٦ - (فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَصَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ آخُذْهُ حَتَّى يَكُونَ مَعِي شَاهِدٌ غَيْرِي ".
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: " أَرَأَيْتَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا قَتَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ زَنَى؟ قَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْتَ ".
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عُمَرَ اُخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ يَعْرِفُهُ، فَقَالَ لِلطَّالِبِ: " إنْ شِئْتَ شَهِدْتُ وَلَمْ أَقْضِ، وَإِنْ شِئْتَ قَضَيْتُ وَلَمْ أَشْهَدْ ".
وَأَمَّا الْآثَارُ عَنْ التَّابِعِينَ، فَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ عِنْدَهُ اثْنَانِ، فَأَتَاهُ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدٍ.
وَقَالَ لِشُرَيْحٍ: وَأَنْتَ شَاهِدِي أَيْضًا، فَقَضَى لَهُ شُرَيْحٌ مَعَ شَاهِدِهِ بِيَمِينِهِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَكُونُ شَاهِدًا وَقَاضِيًا. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: " يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ " بِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ قِصَّةِ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ لَمَّا اشْتَكَتْ أَبَا سُفْيَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ لَهَا عَلَيْهِ بِأَنْ تَأْخُذَ كِفَايَتَهَا وَكِفَايَةَ بَنِيهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهَا الْبَيِّنَةَ، وَلَا أَحْضَرَ الزَّوْجَ.
وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فُتْيَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حُكْمٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُحْضِرْ الزَّوْجَ، وَلَمْ يَكُنْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ، غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ وَلَمْ يُوَكِّلْ وَكِيلًا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute