فَيُقَالُ: إمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِخَبَرِهِ مَا يُفِيدُ مَعَهُ الْيَقِينَ أَمْ لَا، فَإِنْ اقْتَرَنَ بِخَبَرِهِ مَا يُفِيدُ مَعَهُ الْيَقِينَ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَيَنْزِلَ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ، بَلْ هُوَ شَهَادَةٌ مَحْضَةٌ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ ذِكْرُ لَفْظِ " أَشْهَدُ " بَلْ مَتَى قَالَ الشَّاهِدُ: رَأَيْتُ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ سَمِعْتُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ: كَانَتْ شَهَادَةٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ "، وَلَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا قِيَاسَ، وَلَا اسْتِنْبَاطَ يَقْتَضِيهِ، بَلْ الْأَدِلَّةُ الْمُتَضَافِرَةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَلُغَةِ الْعَرَبِ تَنْفِي ذَلِكَ.
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ نَصًّا.
قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: ١٥٠] وَمَعْلُومٌ قَطْعًا: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّلَفُّظَ بِلَفْظَةِ " أَشْهَدُ " فِي هَذَا، بَلْ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ بِتَحْرِيمِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} [النساء: ١٦٦] وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ " أَشْهَدُ بِكَذَا ".
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزخرف: ٨٦] أَيْ أَخْبَرَ بِهِ، وَتَكَلَّمَ بِهِ عَنْ عِلْمٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوْحِيدُ.
وَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ يَقُولَ الدَّاخِلُ فِيهِ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " بَلْ لَوْ قَالَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " كَانَ مُسْلِمًا بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» فَإِذَا تَكَلَّمُوا بِقَوْلِ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " حَصَلَتْ لَهُمْ الْعِصْمَةُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِلَفْظِ " أَشْهَدُ "
وَقَالَ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠] {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: ٣١] وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «عَدَلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute