وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الزَّنَادِقَةَ الرَّافِضَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ، وَلَكِنْ لَمَّا رَأَى أَمْرًا عَظِيمًا جَعَلَ عُقُوبَتَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ؛ لِيَزْجُرَ النَّاسَ عَنْ مِثْلِهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ:
لَمَّا رَأَيْت الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا ... أَجَّجْت نَارِي وَدَعَوْت قَنْبَرًا
وَقَنْبَرٌ غُلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَارِدِهِ.
فَكُلُّهُمْ يَقُولُ بِجَوَازِ وَطْءِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ إذَا أُهْدِيَتْ إلَيْهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مِنْ الرِّجَالِ بِأَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي عَقَدْت عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنْطِقْ النِّسَاءَ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ الْقَوِيَّةِ فَنَزَّلُوا هَذِهِ الْقَرِينَةَ الْقَوِيَّةَ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ النَّاسَ - قَدِيمًا وَحَدِيثًا - لَمْ يَزَالُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى قَوْلِ الصِّبْيَانِ الْمُرْسَلِ مَعَهُمْ الْهَدَايَا، وَأَنَّهَا مَبْعُوثَةٌ إلَيْهِمْ، فَيَقْبَلُونَ أَقْوَالَهُمْ، وَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْمُرْسَلَ بِهِ، وَيَلْبَسُونَ الثِّيَابَ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ وَطْئِهَا، وَلَمْ يَسْأَلُوا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الضَّيْفَ يَشْرَبُ مِنْ كُوزِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَيَتَّكِئُ عَلَى وِسَادِهِ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ فِي مِرْحَاضِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بِاللَّفْظِ لَهُ، وَلَا يُعَدُّ بِذَلِكَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَطْرُقُ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَيَضْرِبُ حَلْقَتَهُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ: أَخْذُ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْإِنْسَانِ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّتُهُ، كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْفَلْسِ وَالتَّمْرَةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَخْذُ مَا يَبْقَى فِي الْقَرَاحِ وَالْحَائِطِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالثِّمَارِ بَعْدَ تَخْلِيَةِ أَهْلِهِ لَهُ وَتَسْيِيبِهِ وَمِنْ ذَلِكَ: أَخْذُ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْحَبِّ عِنْدَ الْحَصَادِ، وَيُسَمَّى اللَّقَاطَ، وَمِنْ ذَلِكَ: أَخْذُ مَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْخِرَقِ وَالْخَزَفِ وَنَحْوِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - وَهُوَ الصَّوَابُ - أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ: إنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَلَا يَكْسُوهَا فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ؛ لِتَكْذِيبِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ لَهَا.
وَقَوْلُهَا فِي ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي نُدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَلَا نَعْتَقِدُ سِوَاهُ، وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِإِنْفَاقِ الزَّوْجِ وَكِسْوَتِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي اعْتِمَادًا عَلَى