فِي مَوَاضِعِ الْقُرْعَةِ
قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْأَعْبُدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قِيلَ فِي الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يَعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ عِتْقُ جَمِيعِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ عِتْقُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ كُلُّهُ عَبْدًا وَاحِدًا، فَأَعْتَقَهُ: عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ الَّذِي رُدَّتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ: أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ: لَا يُمْكِنُ غَيْرُ جَرَيَانِ الْعِتْقِ فِي بَعْضِهِ، وَأَمَّا فِي الْأَعْبُدِ: فَتَكْمِيلُ الْحُرِّيَّةِ فِي بَعْضِهِمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ مُمْكِنٌ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَنْقِيصِهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ تَكْمِيلَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَكِنْ مُنِعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَكَانَ تَكْمِيلُهَا فِي الْبَعْضِ مُوَافِقًا لِمَقْصُودِ الْمُعْتِقِ؛ وَمَقْصُودُ الشَّارِعِ، أَمَّا الْمُعْتِقُ فَإِنَّهُ أَرَادَ تَخْلِيصَ جُمْلَةِ الرَّقَبَةِ، وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّهُ مُتَشَوِّفٌ إلَى تَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ دُونَ تَشْقِيصِهَا، وَتَكْمِيلُهَا فِي الْجَمِيعِ: ضَرَرٌ بِالْوَارِثِ، وَتَكْمِيلُهَا فِي الثُّلُثِ: مَصْلَحَةٌ لِلْمُعْتِقِ وَالْوَارِثِ وَالْعَبْدِ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ. فَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَأُصُولُ الشَّرْعِ: مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَخِلَافُهُ خِلَافُ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ مَعًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَارَ سُدُسُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ مُسْتَحِقَّ الْإِعْتَاقِ، فَإِبْطَالُهُ إبْطَالٌ لِعِتْقٍ مُسْتَحَقٍّ؟ قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْعِتْقُ الْمُسْتَحَقُّ عِتْقُ ثُلُثِ الْأَعْبُدِ، وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ إيَّاهُ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِهِمْ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمَلِّكُهُ، وَمَا لَا يُمَلِّكُهُ: تَصَرُّفُهُ فِيهِ لَغْوٌ وَبَاطِلٌ، وَالْوَارِثُ إذَا لَمْ يُجِزْ إعْتَاقَ الْجَمِيعِ: كَانَ تَصَرُّفُ الْمُعْتِقِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ، وَإِذَا كَانَ إنَّمَا أَعْتَقَ الثُّلُثَ حُكْمًا: أَخْرَجْنَا الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ، فَأَيُّ قِيَاسٍ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَأَبْيَنُ؟ .
فَإِنْ قِيلَ: مَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى الْحَسَنِ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: لَا يَثْبُتُ لِقَاءُ الْحَسَنِ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ، قَالَ: " حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ " قَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَيْنَهُمَا هَيَّاجُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ الْفُضَيْلِ التَّمِيمِيُّ الْبُرْجُمِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: وَجَدْت فِي كِتَابِ أَبِي - بِخَطِّهِ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلِّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثَ الْقُرْعَةِ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ أَبِي الْمُهَلِّبِ، فَقَالَ: قَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ عِمْرَانَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ، وَقَالَ يَقُولُونَ: إنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كِتَابِ أَبِي الْمُهَلِّبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute