أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلٍ، فَمَاتَ الزَّوْجُ، وَمَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يَدْرِ الشُّهُودُ: أَيُّ بَنَاتِهِ هِيَ؟ فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ قَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ، وَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْ الْقُرْعَةُ وَرِثَتْ وَاعْتَدَّتْ.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: فَسَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَرِثْنَ وَيَعْتَدِدْنَ جَمِيعًا.
قَالَ حَنْبَلٌ: فَسَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ إلَى رَجُلٍ ابْنَةً لَهُ، وَلَهُ بَنَاتٌ فَأَنْكَحَهُ، وَمَاتَ الْخَاطِبُ، وَلَمْ يَدْرِ الْأَبُ أَيَّتُهُنَّ خَطَبَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ. فَلَهَا الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَذْهَبُ إلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَابِسِيُّ. قَالَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ رَجُلًا، وَلَهُ بَنَاتٌ فَمَاتَا، وَلَمْ تَدْرِ الْبَيِّنَةُ أَيَّتُهُنَّ هِيَ، قَالَ: يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، فَإِذَا قَرَعَتْ وَاحِدَةٌ وَرِثَتْ، قُلْت حَمَّادٌ يَقُولُ: يَرِثْنَ جَمِيعًا، قَالَ: يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ: الْقُرْعَةُ أَبْيَنُ، إذَا أَقْرَعَ فَأَعْطَى وَاحِدَةً لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ صَاحِبَتَهُ وَلَا يَدْرِي، هُوَ فِي شَكٍّ، فَإِذَا أَعْطَاهُنَّ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ. فَنُصُوصُ أَحْمَدَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ: إنَّمَا فِيهِ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمِيرَاثِ، وَهِيَ قُرْعَةٌ عَلَى مَالٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْقُرْعَةُ عِنْدَ اخْتِلَاطِ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِهَا. لَكِنْ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِ الْقُرْعَةِ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ أَيْضًا، فَهَذِهِ أَصَرْحُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، إنَّمَا هِيَ فِي الْقُرْعَةِ عَنْ الْمِيرَاثِ، كَمَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ بِالْقُرْعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ: تَعْيِينُ الزَّوْجَةِ بِالْقُرْعَةِ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْإِقْرَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُطَلَّقَةِ، فَإِنَّ الْقُرْعَةَ تُمَيِّزُ الزَّوْجَةَ مِنْ غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا: فَإِنَّهُ يُقْرِعُ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِتَمْيِيزِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِهِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَمْيِيزِ الزَّوْجِ بِالْقُرْعَةِ وَتَمْيِيزِ الزَّوْجَةِ بِهَا؟ فَالْإِقْرَاعُ هَاهُنَا لَيْسَ بَعِيدًا مِنْ الْأُصُولِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: أَنَّا نُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِهَذِهِ الْقُرْعَةِ، وَالْعِدَّةُ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَلَا سِيَّمَا فَالْعِدَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute