وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحِيلٌ فِي الْمَيِّتِ، فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْحَيِّ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ ضَرَبْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَضَرَبَهُ حَيًّا عَتَقَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ مَيِّتًا، لَمْ يَعْتِقْ، وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَادَةِ: أَنَّهُ قَصَدَ عَقْدَ يَمِينِهِ عَلَى وَلَدٍ يَصِحُّ الْعِتْقُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا، فَتَصِيرُ الْحَيَاةُ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": إذَا قَالَ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا، أَوْ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا، أَوْ قَالَ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا ثُمَّ مَيِّتًا، ثُمَّ لَمْ تَلِدْ بَعْدَهُ شَيْئًا، فَهَلْ يَعْتِقُ الْحَيُّ؟ . عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: أَوَّلُ مَا تَلِدُهُ أَمَتِي حُرٌّ، فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ، وَأَشْكَلَ السَّابِقُ: عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ بَانَ لِلنَّاسِ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَخْطَأَتْهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ، وَهَلْ يَرِقُّ الْآخَرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قُلْت: مَسْأَلَةُ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هَلْ يَسْقُطُ حُكْمُ الْمَيِّتِ، وَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، لِامْتِنَاعِ نُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهِ، أَوْ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَيِّ؟
الثَّانِي: هَلْ مِنْ شَرْطِ الْأَوَّلِ: أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَكْفِيَ فِيهِ كَوْنُهُ سَابِقًا مُبْتَدَأ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ غَيْرُهُ؟ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى مُطْلَقِ الْوِلَادَةِ، فَفِيهَا إشْكَالٌ ظَاهِرٌ.
فَإِنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَقُولَ: إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ.
فَإِذَا وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا، فَإِمَّا أَنْ نَعْتَبِرَ حُكْمَ الْمَيِّتِ أَوْ لَا نَعْتَبِرُهُ، فَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ عَتَقَ الْحَيُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْلُودُ، إنْ اعْتَبَرْنَاهُ وَحَكَمْنَا بِعِتْقِهِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِعِتْقِ الْحَيِّ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: " إذَا " لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَقَدْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، فَلَا يَعْتِقُ الثَّانِي. قِيلَ: هَذَا مَأْخَذُ هَذَا الْقَوْلِ: لَكِنَّ قَوْلَهُ " إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، فَيَعُمُّ كُلَّ وَلَدٍ، وَهُوَ قَدْ جَعَلَ سَبَبَ الْعِتْقِ الْوِلَادَةَ، فَيَعُمُّ الْحُكْمُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: عُمُومُ الْمَعْنَى وَالسَّبَبِ، وَالثَّانِي: عُمُومُ اللَّفْظِ بِوُقُوعِ النَّكِرَةِ عَامَّةً. وَهَذَا غَيْرُ اقْتِضَاءِ النَّكِرَةِ التَّكْرَارَ، بَلْ الْعُمُومُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ وُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمُومِ فِي " أَيَّ " وَ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ: أَيَّ وَلَدٍ وَلَدْته، أَوْ مَنْ وَلَدْته، فَهُوَ حُرٌّ، فَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ، وَهَذَا عَامٌّ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومَيْنِ؟
فَإِنْ قِيلَ: الْعُمُومُ هَاهُنَا فِي نَفْسِ أَدَاةِ الشَّرْطِ، وَالْعُمُومُ فِي قَوْلِهِ " إذَا وَلَدْت وَلَدًا " فِي الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ فِعْلِ الشَّرْطِ، لَا فِي أَدَاتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute