ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْمَطْلُوبِ إلَّا الْيَمِينَ، مَعَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي لِفُجُورِهِ، وَقَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ» ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ خَصْمُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَهُودِيًّا، هَكَذَا جَاءَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينَ.
وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ " أَنَّ الْأَنْصَارَ: قَالُوا: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ ".
وَهَذَا الْقَسَمُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، إذْ لَمْ يَأْتِ الْمُدَّعِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ، لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي هِيَ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ: تَارَةً تَكُونُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ، وَتَارَةً تَكُونُ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَتَارَةً أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، وَتَارَةً ثَلَاثَةٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ فِي دَعْوَى إفْلَاسِ مَنْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ مُتَقَدِّمٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا» .
فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي تَقْوَى فِيهَا التُّهْمَةُ بِإِخْفَاءِ الْمَالِ، فَرُوعِيَ فِيهَا الزِّيَادَةُ فِي الْبَيِّنَةِ، وَجُعِلَتْ بَيْنَ مَرْتَبَةِ أَعْلَى الْبَيِّنَاتِ وَمَرْتَبَةِ أَدْنَى الْبَيِّنَاتِ.
وَتَارَةً تَكُونُ الْحُجَّةُ شَاهِدًا وَيَمِينُ الطَّالِبِ، وَتَارَةً تَكُونُ امْرَأَةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَتَارَةً تَكُونُ رَجُلًا وَاحِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute