للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَوَجْهُ هَذَا: أَنَّ الضَّرْبَ الْمَشْرُوعَ هُوَ ضَرْبُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَسْبَابِهَا وَتَحَقُّقِهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَا يُضْرَبُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَكَثِيرٌ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لَكِنَّ حَبْسَ الْمُتَّهَمِ عِنْدَهُمْ أَبْلَغُ مِنْ حَبْسِ الْمَجْهُولِ.

ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ عَنْ بِدْعَتِهِ: أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُحْبَسُ إلَى الْمَوْتِ.

٣٨ - (فَصْلٌ)

وَاَلَّذِينَ جَعَلُوا عُقُوبَتَهُ لِلْوَالِي، دُونَ الْقَاضِي، قَالُوا: وِلَايَةُ أَمِيرِ الْحَرْبِ مُعْتَمَدُهَا الْمَنْعُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَمْعُ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ.

وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْعُقُوبَةِ لِلْمُتَّهَمِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْإِجْرَامِ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهَا إيصَالُ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا وَإِثْبَاتُهَا.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّ كُلَّ وَلِيِّ أَمْرٍ يَفْعَلُ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ، فَكَمَا أَنَّ وَالِيَ الصَّدَقَاتِ يَمْلِكُ مِنْ أَمْرِ الْقَبْضِ وَالصَّرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَالِي الْخَرَاجِ وَعَكْسِهِ، كَذَلِكَ وَالِي الْحَرْبِ وَوَالِي الْحُكْمِ يَفْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا اقْتَضَتْهُ وِلَايَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ، مَعَ رِعَايَةِ الْعَدْلِ وَالتَّقَيُّدِ بِالشَّرِيعَةِ.

٣٩ - (فَصْلٌ)

وَأَمَّا عُقُوبَةُ مَنْ عُرِفَ أَنَّ الْحَقَّ عِنْدَهُ، وَقَدْ جَحَدَهُ، فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ - وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ، وَنَصُّوا عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالضَّرْبِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ مِنْ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ: إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، أُمِرَ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعًا، فَإِنْ أَبَى؛ حُبِسَ، وَضُرِبَ حَتَّى يَخْتَارَ، قَالُوا: وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ.

وَفِي " السُّنَنِ " عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَطْلُ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» ، وَالْعُقُوبَةُ لَا

<<  <   >  >>