أراد سلوكه ممن يأتي من الأجيال المقبلة فقد هلكت بعدهم أجيال وقرون طويلة نسيهم فيها الناس، ولم يذكروهم، أما هم - أصحاب الأخدود - فإن حادثتهم سجلها القرآن، فبقيت محفوظة فيه وفي العقول والصدور، فكانت سراجا منيرا في طريق العقيد ة الحقة وهذا ذكر حسن لهم، وشرف وأي شرف هو؟
أما جزاؤهم من ربهم الذي ثبتوا على الإيمان به ولم يجحدوه وينكروه كما فعل غيرهم، فالمنازل العالية والدرجات الرفيعة والحياة الكريمة في دار العزة والكرامة، التي لا يزول نعيمها ولا تنقضي الحياة فيها أبد الآبدين، والويل والعذاب والغضب من رب الأرباب لأولئك المعذبين والطغاة الظالمين، كل هذا لهم جزاء ظلمهم وتعذيبهم لعباد الله على اعترافهم بالحق الواجب على كل مخلوق، وقد فاز به المؤمنون، فهنيئا لهم.
ترى من يكون هؤلاء الكافرون الجبارون قساة القلوب أصحاب الأخدود الذين أحرقوا المؤمنين بالنار على إيمانهم بالله؟ ومن هم أولئك المؤمنون المحرقون بالنار؟ هذه مأساة رقت لها قلوب وتحجرت لها أفئدة، خلاف وقع بين المفسرين لكلام الله وأولى الرأي من علماء الإسلام في شأنهم، لأنهم هم الذين يهمهم أمر العقيدة والدين أكثر من غيرهم من البشر.
فالمفسرون لكلام الله لم يتفقوا على قول واحد يقف عنده من يريد أن يحصر الواقعة في جهة معينة بتحديد