للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قبرِهِ، فنَبَشُوه ليأخذوا الفأسَ، فإذا عُنقُه وَيداهُ قد جُمِعَتْ في حَلْقَةِ الفأسِ، فردُّوا عليه الترابَ، ثم رجَعُوا إلى أهلِه فسألوهم عن حالِهِ، فقالوا: صحِبَ رجلًا فأخَذَ مالَهُ، فكان يَحُجُّ منه.

إذا حَجَجْتَ بمالٍ أصلُهُ سُحُتٌ … فما حَجَجْتَ ولكنْ حَجَّتِ العِيرُ

لا يَقبَلُ الله إلا كُلَّ صالِحةٍ … ما كل مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللهِ مَبْرُورُ

مَنْ حَجُّهُ مَبْرورٌ قليلٌ، ولكنْ قد يُوهَبُ المسيءُ للمحسنِ. وقد رُويَ أن الله تعالى يقول عشيَّةَ عَرَفَةَ: "قد وَهَبْتُ مسيئكم لمحسِنِكُم". حجَّ بعضُ المتقدمينَ، فنامَ ليلةً، فرأى مَلَكَيْنِ نَزَلا من السَّماءِ، فقال أحدُهما للآخر: كم حجَّ العامَ؟ قال: ستمائة ألفٍ، فقال له: كم قُبِلَ منهم؟ قال: ستةٌ، قال: فاستيقظَ الرجُلُ وهو قَلِقٌ ممَّا رأى. فرأى في الليلة الثانية كأنَّهما نزلا وأعادا القولَ، وقال أحدهما: إن الله وَهَبَ لكل واحدٍ من الستةِ مائةَ ألفٍ. كان بعضُ السَّلفِ يقولُ في دعائه: اللهم إن لم تقبلْني فهبني لمن شئتَ من خَلْقِكَ. مَنْ رُدَّ عليه عملُه ولم يُقْبَلْ منه فقد يعوَّضُ ما يعوَّضُ المُصَابُ، فيُرحَمُ بذلك.

قال بعضُ السَّلفِ في دعائه بعرفةَ: اللهم إن كنتَ لم تَقْبَلْ حَجِّي وتَعَبِي ونَصَبِي، فلا تَحْرِمْنِي أجرَ المُصيبةِ على ترككَ (١) القَبُولَ مِني. وقال آخر منهم: اللهم ارحمني؛ فإنَّ رحمتَكَ قريبٌ من المحسنين، فإن لم أكن محسنًا فقد قلت {وكانَ بالمؤمِنينَ رَحِيمًا} (٢)، فإن لم أكُنْ كذلك فأنا شيءٌ، وقد قلْتَ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُل شَيء} (٣)، فإن لم أكنْ شيئًا فأنا مصابٌ بِرَدِّ عَمَلِي وتعَبي ونَصَبِي، فلا تحرمْنِي ما وعدْتَ المُصَابَ من الرَّحْمةِ. قال هلالُ بن يساف (٤): بلغنِي أن المسلم إذا دعا الله فلم يستجبْ له كُتِبَ له حسنةٌ. خرَّجه ابنُ أبيَ شيبةَ. يعني جزاءً لمصيبةِ رَدِّهِ.


(١) في آ: "ترك".
(٢) سورة الأحزاب الآية ٤٣.
(٣) سورة الأعراف الآية ١٥٦.
(٤) في ط "يسار"، وهو هلال بن يساف، وقال: ابن إساف، الأشجعي الكوفي. كان ثقة، كثير الحديث. من الثالثة. (تهذيب التهذيب ١١/ ٨٦).

<<  <   >  >>