للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي تستجلَبُ بها المنافعُ ويُسْتَدفَعُ بها المَضارُّ، كما قال الفُضَيل: لو علم الله منكَ إخراجَ المخلوقينَ من قلبك لأعطاكَ كل ما تُريدُ.

وبذلك فسَّرَ الإِمامُ أحمد التوكُّلَ، فقال: هو قطعُ الاسْتِشْرَافِ (١) باليأسِ مِنَ المخلوقين، قيل له: فما الحجَةُ فيه؟ قال: قولُ إبراهيَم عليه السَّلام لمَّا أُلقي في النارِ، فعرَضَ له جبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: ألكَ حاجة؟ قال: أمَّا إليكَ فلا. فلا يُشْرَعُ تركُ الأسبابِ الظاهرةِ إلَّا لمن تعوَّضَ عنها بالسَّببِ الباطِن، وهو تحقيقُ التوكُّلِ عليه، فإنَّه أقوى من الأسباب الظاهرة لأهله، وأنفَعُ منها. فالتوكُّلُ عِلْمٌ وعمَلٌ؛ فالعِلْمُ معرفةُ القَلْب بتوحيدِ الله بالنَّفْعِ والضرِّ، وعامةُ المؤمنين تعلمُ ذلك. والعمَلُ هو ثقة القلب بالله تعالى وفراغه من كلِّ ما سواه، وهذا عَزيزٌ ويختصُّ به خواصُّ المؤمنين. والأسبابُ نوعان:

أحدهما: أسبابُ الخير، فالمشروع أنَّه يفرَحُ بها، ويستبشِرُ، ولا يَسْكُنُ إليها، بل إلى خالقِها ومسبِّبها، وذلك هو تحقيقُ التوكُّلِ على اللهِ والإِيمان بهِ، كما قال تعالى في الإِمداد بالملائكة: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)} (٢). ومِن هذا الباب الاستبشارُ بالفألِ، وهو الكلِمةُ الصالحةُ يسمعُها طالِبُ الحاجَة، وأكثرُ الناسِ يَرْكَنُ بقلبِه إلى الأسباب وَينْسَى المسبِّبَ لها، وقلَّ مَن فعَلَ ذلك إلَّا وُكِلَ إليها وخُذِلَ، فإنَّ جميعَ النِّعمِ مِنَ الله وفضلِه، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (٣)، وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (٤)، [كما قيل] (٥):

لا نِلْتُ خَيْرًا ما بَقِيـ … تُ ولا عَدَانِي الدَّهْرَ شرّ

إن كُنْتُ أعلَمُ أن غَيـ … ـر اللهِ يَنْفَعُ أو يَضُرّ


(١) الاستشراف: التطلع إلى الشيء.
(٢) سورة الأنفال الآية ١٠.
(٣) سورة النساء الآية ٧٩.
(٤) سورة النحل الآية ٥٣.
(٥) زيادة من نسخة (آ).

<<  <   >  >>