للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تُضافُ النِّعمُ إلى الأسبابِ، بل إلى مُسبِّبها ومُقدِّرِها، كما في الحديث الصحيح (١) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى بهم الصبحَ في إثر سماءٍ (٢)، ثم قال: "أتدرون ما قال ربُّكم الليلةَ؟ قال: أصبَحَ مِن عبادي مؤمن بي وكافرٌ؛ فأمَّا المؤمنُ فقال: مُطِرْنا بفضلِ اللّهِ ورحمتِه، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكبِ؛ وأما الكافرُ فقال: مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب". وفي صحيح مسلم (٣)، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا عَدْوَى، ولا هامَةَ، ولا نَوْءَ، ولا صفَرَ".

وهذا مما يَدُلُّ على أن المرادَ نفيُ تأثيرِ هذه الأسبابِ بنفسها من غير اعتقادٍ أنَّها بتقدير اللّه وقضائِه، فمن أضافَ شيئًا من النِّعمِ إلى غيرِ الله مع اعتقادِه أنَّه ليس من الله فهو مُشرِك حقيقةً، ومع اعتقادِ أنَّه من اللهِ فهو نوعُ شِركٍ خفيٍّ.

والنوع الثاني: أسبابُ الشرِّ، فلا تُضافُ إلَّا إلى الذُّنوب؛ لأنَّ جميعَ المصائب إنما هي بسبب الذُّنوب، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (٤)، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (٥)، فلا تضافُ إلى شيءٍ من الأسباب سِوى الذنوبِ، كالعَدْوَى أو غيرها. والمشروعُ: اجتنابُ ما ظهرَ منها واتقاؤه بقدْرِ ما وردَتْ به الشريعةُ، مثل اتقاء المجذوم. والمريضِ، والقدومِ على مكانِ الطاعونِ. وأما ما خَفِي منها فلا يُشْرَعُ اتقاؤه واجتنابُه، فإنَّ ذلك مِن الطيرةِ المَنهيِّ عنها؛ والطِّيرَةُ مِن أعمالِ أهلِ الشرِّكِ والكُفْرِ، وقد حكاها الله تعالى في كتابه عن قوم فرعونَ وقوم صالح وأصحابِ القريةِ التي جاءها المرسلون. وقد ثبتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا طيَرةَ" (٦).


(١) أخرجه البخاري رقم (١٠٣٨) في صلاة الاستسقاء باب (٢٨)، و (٤١٤٧) في المغازي: باب غزوة الحديبية. ومسلم رقم (١٢٥) (٧١) في الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء. وأبو داود في سننه رقم (٣٩٠٦) في الطب، باب في النجوم. وأحمد في "المسند" ٤/ ١١٧، كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني.
(٢) السماء: المطر، والعرب تسمي المطر سماء لأنه نزل منها.
(٣) أخرجه مسلم رقم (٢٢٢٠) في السلام، باب لا عدوى ولا طيرة الخ؛ وأبو داود رقم (٣٩١٢) في الطب، باب في الطِّيرة.
(٤) سورة النساء الآية ٧٩.
(٥) سورة الشورى الآية ٣٠.
(٦) انظر صحيح البخاري ١٠/ ١٥٨، ٢١٢، ٢١٤، ٢١٥، ٢٤٣، ومسلم رقم ٢٢٢٠، ٢٢٢٢، ٢٢٢٣، ٢٢٢٥.

<<  <   >  >>