للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي حديثٍ: "مَنْ ردَّتْهُ الطيرَةُ فقد قَارَفَ الشِّرْكَ" (١). وفي حديثِ ابن مسعود المرفوع: "الطِّيرةُ مِن الشِّرْكِ، وما منّا إلا (٢)، ولكنَّ الله يذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ" (٣). والبحثُ عن أسباب الشر من النظرِ في النجوم ونحوِها هو من الطِّيرَةِ المَنهيِّ عنها؛ والباحثونَ عن ذلكَ غالبًا لا يشتغلون بما يدفعُ البلاءَ من الطاعاتِ، بل يأمرون بلزومِ المنزلِ وتركِ الحركةِ، وهذا لا يمنَعُ نُفوذَ القضاء والقَدَرِ. ومنهم من يَشتَغِلُ بالمعاصي، وهذا مما يُقوِّي وقوعَ البَلاءِ ونُفوذَهُ. والذي جاءت به الشريعة هو تركُ البحث عن ذلك، والإعراضُ عنه، والاشتغالُ بما يدفَعُ البلاءَ (٤)؛ مِن الدُّعاءِ، والذِّكْر، والصدقةِ، وتحقيق التوكُّل على الله عزَّ وجل، والإيمان بقضائه وقدره.

وفي "مسند ابن وهب" أن عبد الله بن عمرو بن العاص الْتَقَى هو وكعبٌ (٥)، فقال عبد الله لكعبٍ: علمُ النُّجوم؟ قال كعب: لا خَيْر فيه، قال عبد اللهِ: لم؟ قال: ترَى فيه (٦) ما تكرَهُ، يُريدُ الطِّيرَةَ. فقال كعب: فإن مضى، وقال: اللهم لا طَيْرَ إلا طيرُكَ، ولا خَيْرَ إلا خَيْرُكَ، ولا رَبَّ غيرُكَ. فقال عبد الله: ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا بك (٧). فقال كعب: جاء بها عبد الله، والذي نفسي بيده إنَّها لرأسُ التوكُّل وكنزُ العَبْدِ في الجنةِ، ولا يقولهُنَّ عبدٌ عند ذلك ثم يمضي إلا لم يضرَّه شيءٌ. قال عبد الله: أرأيتَ إن لم يمضِ وقَعَدَ؟ قال طَعِمَ قلبُهُ طَعْمَ الإشراكِ.


(١) أخرج الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٢٠ عن ابن عمر، قال: قال رسول الله: "من ردَّته الطيرة من حاجة فقد أشرك". قالوا: يا رسول الله! ما كفَّارة ذلك؟ قال: "أن يقول أحدُهم: اللهم لا خيرَ إلا خيرك، ولا طير إلَّا طيرك، ولا إله غيرك".
(٢) زيد بعدها في آ، ع: "يتطيَّر". وقوله "وما منا إلَّا": أي وما منا إلا من يعتريه التطير ويسبق إلى قلبه الكراهة فيه، فحذف اختصارًا للكلام واعتمادًا على فهم السامع. وقال محمد بن إسماعيل: كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول: هذا الحرف ليس من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكأنه قول ابن مسعود رضي الله عنه.
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٣٩١٠) في الطب، باب في الطيرة؛ والترمذي رقم (١٦١٤) في السير؛ وابن ماجه رقم (٣٥٣٨) في الطب، باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة.
(٤) لفظة "البلاء" سقطت من (آ).
(٥) هو كعب بن ماتع الحميري اليماني، ويقال له: كعب الأحبار، كان من كبار علماء يهود اليمن فأسلم زمن أبي بكر الصديق، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر، فجالس أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكان يحدِّثهم عن الكتب الإسرائيلية ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام من نبلاء العلماء. خرج إلى الشام وتوفي في حمص سنة ٣٢ هـ، وقيل: سنة ٣٤ هـ، وقد بلغ مائة وأربع سنين. (الإصابة تر ٧٤٩٦، طبقات ابن سعد ٧/ ٤٤٥، سير أعلام النبلاء ٣/ ٤٨٩).
(٦) في ع: "فيها".
(٧) في آ: "إلا بالله".

<<  <   >  >>