للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من شياطينِ الإِنسِ، وهم أضرُّ مِن شياطينِ الجنِّ. قال بعضُ السَّلَفِ: شيطانُ الجنِّ تَستعيذُ بالله منه، فينصرف؛ وشيطانُ الإِنس لا يبرَحُ حتَّى يُوقعَكَ في المعصيةِ. وفي الحديث: "يُحشَرُ المرءُ على دينِ خليله؛ فلينظرْ أحدُكُم من يُخالِلُ" (١). وفي حديثٍ آخرَ: "لا تَصْحَبْ إلَّا مؤمنًا ولا يأكُل طعامَكَ إلَّا تقِيٌّ" (٢). ومما يُروى لعليٍّ رضي اللهُ عنه (٣):

فلا (٤) تصحَبْ أخا الجَهْلِ … وإياكَ وإياهُ

فكم مِنْ جاهلٍ أرْدَى … حكيمًا حينَ آخاهُ (٥)

يُقاسُ المرءُ بالمرءِ … إذا ما المرءُ ماشاهُ (٦)

وللشيءِ على الشيءِ … مقاييسٌ وأَشْبَاهُ

وللقلبِ عَلَى القلبِ … دَليلٌ حينَ يَلْقَاهُ

فالعاصي مشؤومٌ على نفسِهِ وعلى غيرِهِ؛ فإنَّه لا يُؤمنُ أنْ ينزلَ عليه عذابٌ فيعمُ النَّاسَ، خصوصًا مَنْ لم يُنكِرْ عليه عَمَلَهُ (٧)، فالبعدُ عنه متعيِّنٌ، فإذا كَثُرَ الخبثُ هَلَكَ الناسُ عمومًا.

وكذلك أماكنُ المعاصِي وعقوباتُها يتعيَّنُ البُعْدُ عنها، والهربُ منها، خشيةَ نزولِ العذابِ، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابِهِ لمَّا مَرَّ (٨) على ديارِ ثمودَ بالحِجْرِ: "لا تَدْخُلُوا


(١) أخرجه الترمذي رقم (٢٣٧٩) في الزهد، باب الرجل على دين خليله. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود رقم (٤٨٣٣) في الأدب، باب من يؤمر أن يجالس.
(٢) أخرجه أبو داود رقم (٤٨٣٢) في الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، والترمذي رقم (٢٣٩٧) في الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن، وإسناده حسن. ورواه أحمد في "المسند" ٣/ ٣٨، وابن حبان ٢/ ٢٦٦ (ط. مؤ سسة الرسالة)، والحاكم ٤/ ١٢٨، وصححه ووافقه الذهبي. قال الخطابي: هذا إنما جاء في طعام الدعوة، دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الدهر: ٩]، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفارًا غير مؤمنين ولا أتقياء. وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإنَّ المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب.
(٣) ديوان علي بن أبي طالب ص ٢٠٥ (ط. زرزور).
(٤) في آ، ع: "لا تصحب".
(٥) في آ، ع: "واخاه".
(٦) في آ والديوان: "إذا ما هو ماشاه".
(٧) لفظة "عمله" لم ترد في (آ).
(٨) في ب: "مروا".

<<  <   >  >>