للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على هؤلاء المعذَّبين، إلَّا أن تكونوا باكينَ؛ خشيةَ أنْ يُصيبَكُم ما أصابَهُم" (١). ولما تاب الذي (٢) قَتَلَ مائةَ نفسٍ مِن بني إسرائيلَ، وسأل العالِمَ: هل (٣) لَهُ من توبةٍ؟ قال له: نعم، فأمَرَهُ أنْ ينتقلَ مِن قرية السُّوءِ إلى القريةِ الصالحةِ، فأدركَهُ الموتُ بينَهما، فاختَصَمَ فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ، فأَوْحَى الله إليهم: أنْ قِيسُوا بينَهما فإلى أيَّهما كانَ أقربَ فأَلْحِقُوه بها، فوَجَدُوه إلى القريةِ الصالحةِ أقربَ بِرَمْيَةِ حَجَرٍ، فغُفِرَ له.

هِجرانُ أماكنِ المعصية وإخوانها مِن جملة الهِجرةِ المأمورِ بها، فإنَّ المهاجِرَ مَنْ هَجَرَ ما نَهى الله عنه. قال إبراهيمُ بنُ أدهَمَ: مَن أرادَ التَّوبَةَ فلْيَخْرجْ مِن المظالِمِ، وليدَعْ مخالَطَةَ مَن كانَ يخالِطُه، وإلَّا لم يَنَلْ ما يُريدُ.

احذَرُوا الذُّنوبَ، فإنَّها مشؤومةٌ، عواقبُها ذميمةٌ، وعُقُوباتُها أليمة، والقلوبُ المُحِبَّةُ لها سَقِيمةٌ، [والنفوسُ المائلةُ إليها غيرُ مستقيمةٍ، و] (٤) السَّلامةُ منها غنيمةٌ، والعافِيةُ منها ليس لها قيمةٌ، والبَليَّةُ بها، لا سيما بعدَ نُزولِ الشَّيبِ، دَاهِيةٌ عظيمةٌ.

طاعةُ اللهِ خيرُ ما اكتسَبَ العَبْدُ … فكنْ طائعًا لله لا تعصِيَنْهُ

مَا هَلاكُ النُّفوسِ إلَّا المعاصِي … فاجْتَنِبْ ما نَهَاكَ لَا تَقْرَبَنْهُ

إنَّ شيئًا هَلَاكُ نَفْسِكَ فيهِ … ينبغِي أنْ تَصُونَ نَفْسَكَ عَنْهُ

يا مَنْ ضَاعَ قلبُه اِنشِدْهُ في مجلسِ الذِّكرِ، عسى أن تجده. يا مَن مرِضَ قلبُه احمِلْه إلى مجلسِ الذّكرِ، لعلَّه أن يُعافَى. مجالسُ الذّكْرِ مارَسْتانات (٥) الذنوب تُداوَى فيها أمراضُ القلوبِ، كما تُداوى أمراضُ الأبدانِ في مارستانات الدُّنيا (٦)، ونزهٌ (٧)


(١) أخرجه البخاري ٦/ ٣٧٩ (٣٣٨١) في الأنبياء: باب قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: ٧٣]؛ وفي المساجد: باب الصلاة في مواضع الخسف؛ وفي المغازي: باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجر؛ وفي تفسير سورة الحجر: باب {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ}. وأخرجه مسلم رقم (٢٩٨٠) في الزهد والرقائق: باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين.
(٢) في آ: "ولما تاب الله عمن قتل". وأخرجه البخاري ٦/ ٥١٢ رقم (٣٤٧٠) في الأنبياء، ومسلم رقم (٢٧٦٦) في التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله.
(٣) في آ: "هل له توبة".
(٤) ما بين قوسين ماقط في (ط).
(٥) في ب، ط: "مارستان". وهو دار المرضى، معرَّب.
(٦) في ب: "مارستان الدنيا"، وفي ط: "مارستان الذكر".
(٧) في ب: "نزهة"، وسقطت الواو من (ط). وفي ش: "وقوَّة".

<<  <   >  >>