للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذُريَّة آدَمَ منه كان بعد نَفْخِ الرُّوحِ فيه، وعلى هذا تدلُّ أكثرُ الأحاديث، فيحتَملُ (١) على هذا أن يكون محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - خُصَّ باستخراجِهِ من ظهرِ آدَمَ قَبْلَ نفخِ الرُّوحِ فيه، فإنَّ محمّدًا - صلى الله عليه وسلم - هو المقصودُ من خَلقِ النَّوْعِ الإنسانيِّ، وهو عينُه، وخلاصَتُه (٢)، وواسطةُ عقدِهِ؛ فلا يبعُدُ أنْ يكونَ أُخرِجَ من ظهرِ آدمَ عند خلقِهِ قبلَ نفخِ الرُّوحِ فيهِ.

وقد رُوِيَ أن آدَمَ - عليه السَّلام - رأى اسمَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مكتوبًا على العَرْش، وأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قال لآدَمَ: لولا محمَّدٌ ما خلقتُكَ .. وقد خرجه الحاكمُ في "صحيحه" (٣)، فيكون حينئذٍ من حين صُوِّرَ آدمُ طِينًا استُخْرِجَ منه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ونُبِّئ، وأُخِذَ منه الميثاقُ، ثم أعيدَ إلى ظهر آدمَ حتى خرجَ في وقت خُروجِهِ الذي قدَّرَ الله خروجَه فيه. ويشهدُ لذلك ما روي عن قَتَادَةَ (٤)، أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنْتُ أوَّل النَّبِيِّينَ في الخَلْقِ وآخرَهُم في البعثِ".

وفي روايةٍ: "أوَّل النَّاسِ في الخَلْقِ". خرَّجه ابنُ سعد (٥) وغيرُه. وخرَّجه الطّبَرانيُّ (٦) من رواية قتادةَ عن الحسن، عن أبي هُرَيْرةَ مرفوعًا، والمرسَلُ أشبَهُ. وفي


(١) في (ط): "فتحمل".
(٢) في ع: "وخاصته".
(٣) رواه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٦١٥، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وتعقبه الحافظ الذهبي، فقال: قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن (أي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم)، واهٍ. وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو. أقول: وعبد الله بن مسلم الفهري هذا، ذكره الحافظ الذهبي في الميزان وذكر له خبرًا باطلًا (يا آدم لولا محمد ما خلقتك)، انظر: "ميزان الاعتدال" ٢/ ٥٠٤.
(٤) هو قتادة بن دعامة السَّدُوسي أبو الخطَّاب، ولد أعمى، وكان من علماء الناس بالقرآن والفقه، ومن حفاظ أهل زمانه. قال الذهبي: وهو حجة بالإجماع إذا بيَّن السماع، وإلا فإنَّه مدلِّسٌ معروف بذلك، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو، ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يَعْذُرُ أمثالَه ممن تلبس ببدعة يُريد بها تعظيمَ الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. مات بواسط في الطاعون سنة (١١٨) هـ. (سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٦٩ - ٢٨٣).
(٥) في "الطبقات" (٩/ ١٤١)، وهو حديث ضعيف بهذا اللفظ.
(٦) قوله: "وخرجه الطبراني" سقط من (آ). وهو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم، مسند الدُّنيا، الإمام الحجة، أصله من طبرية الشام وإليها ينسب. ولد بعكا من أرض فلسطين، ورحل إلى معظم الأقطار لجمع الحديث النبوي، وحدَّث عن ألف شيخ أو يزيدون، وصنف ثلاثة معاجم في الحديث النبوي "الصغير" و "الأوسط" و "الكبير". قال أبو العباس الشيرازي: كتبت عن الطبراني ثلاثمائة ألف حديث. مات سنة ٣٦٠ هـ. وعاش مائة سنة. (سير أعلام النبلاء ١٦/ ١١٩).

<<  <   >  >>