للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روايةٍ عن قتادَةَ مرسَلةٍ، ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} (١)، فبدأ به قبلَ نوحٍ الذي هو أوَّلُ الرسُل. فمحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلُ الرُّسُلِ خَلْقًا (٢) وآخرهم بعثًا؛ فإنَّه استُخرِجَ من ظهرِ آدمَ لما صُوِّرَ (٣)، ونُبِّئ حينئذٍ، وأُخِذَ ميثاقُه، ثم أُعِيدَ إلى ظهرِهِ.

ولا يقالُ: فقد خُلِقَ آدمُ قبلَهُ؛ لأنَّ آدَمَ كان حينئذٍ مَواتًا لا روحَ فيه، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - كان حيًّا حين استُخرِجَ ونُبِّئَ وأُخِذَ ميثاقُهُ، فهو - صلى الله عليه وسلم - أوَّلُ النبيينَ خَلْقًا وآخرُهُم بعثًا، فهو خاتَمُ النَّبِيِّينَ باعتبار أن زمَانَهُ تأخَّرَ عنهم، فهو المُقَفِّي (٤) والعاقِبُ الذي جاء عقيبَ (٥) الأنبياء ويقفوهم. قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (٦).

وفي "الصحيحين" عن جَابرٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَثَلِي ومَثلُ الأنبياءِ كمثلِ رجلٍ بَنى دارًا فأكمَلَها وأحسَنَها، إلَّا موضِعَ لَبِنةٍ، فجعَلَ الناسُ يدخُلُونَها ويَعجَبُون منها، ويقولون: لولا مَوضِعُ اللَّبِنَةِ" (٧). زاد مسلم، قال: "فجئتُ فختمْتُ الأنبياء" (٧). وفيهما أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معناه. وفيه: "فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفونَ به ويقولون: هلَّا وُضِعَتِ اللبِنةُ؟ فأنا اللَّبنَةُ، وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ" (٨). وقد استدل الإمامُ أحمد بحديث العِرْبَاضِ (٩) هذا على أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَزَلْ على التوحيدِ منذ نَشَأَ. وَرَدَّ بذلك على مَنْ زَعَمَ غيرَ ذلك. بل قد يُستَدلُّ بهذا الحديث على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وُلد نبيًّا، فإنَّ نبوَّتَه وجبَتْ له مِن حين أُخِذَ الميثاقُ منه (١٠)، حيث استُخرِجَ مِن صُلْب آدَمَ، فكان نبيًّا من حينئذٍ، لكن كانت مدَّةُ خروجه إلى الدُّنيا متأخِّرَةً عن ذلك، وذَلك لا


(١) سورة الأحزاب، الآية ٧.
(٢) أي في علم الله تعالى، ومدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك. (ع).
(٣) في آ: "لما صور بل ونبئ".
(٤) المُقَفِّي: المتبع للنبيين، والعاقب: آخر الأنبياء. وكلاهما من أسماء الرسول - صلى الله عليه وسلم -. انظر: "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (١/ ٨٦ - ٨٧).
(٥) في ع، ش: "عقب".
(٦) سورة الآحزاب، الآية ٤٠.
(٧) رواه البخاري رقم (٣٥٣٤) في المناقب: باب خاتم النبيين، ومسلم رقم (٢٢٨٧) في الفضائل: باب ذكر كونه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين.
(٨) رواه البخاري رقم (٣٥٣٥) في المناقب: باب خاتم النبيين، ومسلم (٢٢٨٦) (٢١) في الفضائل: باب ذكر كونه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين.
(٩) يعني العرباض بن سارية - رضي الله عنه - وقد تقدم تخريج حديثه.
(١٠) لفظة: "منه" سقطت من (آ).

<<  <   >  >>