للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واقعةٌ (١) ببغداد، وقُتِلَ بها الخليفةُ وعامَّةُ مَنْ كانَ ببغدادَ. وتكاملَ خرابُ أَرْضِ العِراقِ على أيدي التَّتَارِ، وهاجَرَ خِيارُ أهلِها إلى الشام مِن حينئذٍ. فأمَّا شِرارُ النَّاس فتخرجُ نارٌ في آخِرِ الزَّمانِ تسوقُهُم إلى الشَّام قهرًا، حتَّى يجتمعَ الناسُ كلُّهم بالشَّامِ قبلَ قيام السَّاعَةِ.

وفي "سنن أبي داود"، عن أبي الدَّرْداء رضي الله عنه، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "إنَّ فُسْطَاطَ (٢) المسلمينَ يومَ المَلْحَمَةِ بالغُوطَةِ (٣)، إلى جانِبِ مَدِينةٍ يقالُ لها دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مدائِنِ الشامِ" (٤). وخرجه الحاكمُ، ولفظُه: "خيرُ منازِلِ المسلمينَ يومئذٍ" (٥).

إخوانِي! مَنْ كانَ من هذه الأمة فهو مِن خير الأممِ عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (٦). وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتُمْ تُوفُّونَ سَبعِينَ أُمَّةً، أنتُمْ خيرُها وأكرَمُها على اللهِ عَزَّ وجَلَّ" (٧).

لمَّا كان هذا الرَّسولُ النَّبِيُّ الأمِّيُّ خَيْرَ الخَلْقِ وأفضلَهُم (٨)، كانَتْ أمَّتُه خَيْرَ أمَّةٍ وأفضلَها، فما يحسُنُ بِمَنْ كانَ مِن خيرِ الأُممِ، وانتَسَبَ إلى متابَعَةِ خَيرِ الخَلْقِ،


= لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر، أحمر وأزرق، له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر. وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى. وانظر تتمة كلامه.
(١) في آ: "وقعة". وانظر كلام ابن العماد في "شذرات الذهب" (٥/ ٢٧٠ - ٢٧١) ففيه فائدة.
(٢) الفُسْطَاطُ: بيت من شَعْرٍ. وكل مدينة فسطاط. وفيه لغاتٌ: فُسْتَاط وفُسَّاط.
(٣) الغوطة: اسم البساتين والمياه التي حول دمشق، وهي غوطتها. (النهاية ٣/ ٣٩٦).
(٤) رواه أبو داود رقم (٣٢٩٨) في الملاحم: باب في المعقل من الملاحم، ورواه أيضًا أحمد في "المسند" ٥/ ١٩٧ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.
(٥) رواه الحاكم في "المستدرك" ٤/ ٤٨٦ وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(٦) سورة آل عمران، الآية ١١٠.
(٧) رواه أحمد في "المسند" (٤/ ٤٤٧) من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري، وهو جد بهز بن حكيم؛ ورواه أيضًا أحمد في "المسند" ٥/ ٥؛ و "الدارمي" ٢/ ٣١٣؛ وابن ماجه رقم (٤٢٨٧) في الزهد، باب: صفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من حديث بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده معاوية بن حيدة القشيري؛ وهو حديث صحيح.
(٨) بعدها في ع: "عند الله سبحانه".

<<  <   >  >>