للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكثرَةِ ذِكْرِ الموتِ، فقال: "أكثِرُوا ذِكْرَ هادِمِ اللَّذَّاتِ، [يعني] الموتَ (١) " (٢). وفي حديثٍ مرسَلٍ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بمجلِسٍ قد اسْتَعْلَاهُ الضَّحِكُ، فقال: "شُوبُوا (٣) مَجْلِسَكُم بِذِكْرِ مُكَدِّر اللَّذَّات" الموت (٤). وفي الإِكثارِ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ فوائدُ؟ منها: أَنَّه يَحُثُّ علَى الاسَتِعدادِ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، ويُقَصِّرُ الأمَلَ، ويُرضِي بالقليلِ مِنَ الرِّزِقِ، ويُزهِّدُ في الدُّنيا، ويُرغِّبُ في الآخرة، ويُهَوِّنُ مَصَائبَ الدُّنيا، ويمنَعُ مِن الأَشَرِ والبَطَرِ والتَّوسُّعِ في لَذَّات الدُّنْيا. وفي حديث أبي ذرٍّ المرفوع الذي خرَّجه ابنُ حِبَّانَ في "صحيحه" وغيرُه: "أن صُحفَ مُوسَى - عليه السلام - كانَتْ عِبَرًا كلُّها (٥): عَجبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بالموتِ كيفَ يَفْرَحُ! عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ! عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بالقَدَرِ كَيْفَ يَنْصَبُ (٦)! عجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنيا وسُرْعَةَ تقلُّبِها بأهلِها كيفَ يطمئِنُّ إليها! " (٧).

وقد رُوِي أنَّ الكَنْزَ الذي كانَ للغلامَيْنِ (٨) كان لوحًا من ذَهَبٍ مكتوب فيه هذا أيضًا.

قال الحسن (٩): إنَّ هذا الموتَ قد أفسَدَ على أهلِ النَّعِيم نعيمَهُم، فالْتَمِسُوا


(١) لفظة: "الموت" لم ترد في (آ)، ووردت في ب، ش، ع، ط، وهي ليست من الحديث بل من شرح الإمامين الترمذي وابن ماجه؛ ولفظة: "يعني" زيادة منهما.
(٢) رواه الترمذي رقم (٢٣٠٧) في الزهد، باب: ما جاء في ذكر الموت، وأحمد في "المسند" ٢/ ٢٩٣، وابن ماجه رقم (٤٢٥٨) في الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، وهو حديث صحيح.
(٣) شاب الشيء: خَلَطَه.
(٤) ذكره السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (٤٩٠٨) بلفظ "شوبوا مجالسكم" وعزاه إلى ابن أبي الدُّنيا في ذكر الموت عن عطاء الخراساني مرسلًا، وهو حديث ضعيف.
(٥) في آ: "عبرًا وأمثالًا"، وفي ب، ش، ع: "عبرًا فيها"، وأثبت ما جاء في ط وصحيح ابن حبان.
(٦) النَّصَب: الإعياء والتعب.
(٧) هو جزء من حديث طويل جدًّا، رواه ابن حبان في صحيحه ٢/ ٦٥ رقم (٣٦١) ورقم (٩٤)، (موارد الظمآن) باب: السؤال للفائدة، وقال في آخره: وفي سنده إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، قال أبو حاتم وغيره: كذاب. وانظر تخريجه في حاشية محقق صحيح ابن حبان ٢/ ٦٨ - ٦٩.
(٨) أي في قوله تعالى [الكهف: ٨٢]: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ … }. وفي تفسير الطبري (١٥/ ٥ - ٦) عن الحسن، قال عن الكنز: إنه لوح من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم! عجبت لمن يؤمن كيف يحزن؟ وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله.
(٩) يعني الحسن بن يسار البصري التابعي الكبير، رحمه الله تعالى.

<<  <   >  >>