للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّفَرَ "يَمُدُّ يدَيْه إلى السَّماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومَطعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلك" (١).

وأمَّا فرحُهُ عند لقاءِ رَبِّه، فيما يجده عند الله من ثواب الصِّيام مُدَّخرًا، فيجدُه أحوجَ ما كان إليه، كما قال الله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (٢). وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} (٣). وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (٤).

وقد تقدَّم قولُ ابن عيينة أن ثوابَ الصائم (٥) لا يأخذه الغُرماء في المظالم بل يَدَّخِرُهُ الله عندَه للصَّائم حتى يُدخِلَهُ به الجنَّةَ. وفي "المسند" (٦) عن عقبةَ بن عامرٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ليس من عملِ يومٍ إلَّا يُختم عليه".

وعن عيسى عليه السلام، قال: إنَّ هذا الليلَ والنَّهار خزانتان، فانظروا ما تضعون فيهما. فالأيام خزائنُ للناس ممتلئةٌ بما خزنُوه فيها من خيرٍ وشَرٍّ. وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها؛ فالمتقون يجدون في خزائنهم العِزَّ والكرامة، والمذنبون يجدون في خزائنهم الحسرةَ والنَّدامة. الصائمون على طبقتين:

إحداهما: مَن تركَ طعامَهُ وشرابَهُ وشهوتَه لله تعالى، يرجو عندَه عوضَ ذلك في الجنة، فهذا قد تاجَرَ مَعَ اللّه وعامَلَهُ، واللهُ تعالى لا يُضيع أَجْرَ من أحسَنَ عملًا (٧)، ولا يخيبُ معه مَن عامله، بل يربح عليه أعظمَ الرِّبْح. وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لرجُلٍ:


(١) أخرجه مسلم رقم (١٠١٥) في الزكاة: باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، والترمذي رقم (٢٩٩٢) في التفسير: باب ومن سورة البقرة. وقوله: "يطيل السفر"، قال النووي في شرح مسلم: "معناه - والله أعلم - أنه يطيل السفر في وجوه الطاعات، كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم وغير ذلك".
(٢) سورة المزمل الآية. ٢٠.
(٣) سورة آل عمران الآية ٣٠.
(٤) سورة الزلزلة الآية ٧.
(٥) في ب، ط: "الصيام".
(٦) ٤/ ١٤٦. ورواه أيضًا الطبراني في الكبير ١٧/ ٢٨٤ والحاكم في "المستدرك" ٤/ ٣٠٩ على شرط الشيخين. وذكره الهيثمي في ""مجمع الزوائد" ٥/ ٣٠٣ وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام". وتمامه: "فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربنا! عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرب: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت". والمراد بالحبس: المنع من عمل الطاعة بالمرض.
(٧) في قوله تعالى من سورة الكهف الآية ٣٠ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.

<<  <   >  >>