للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال مكحولٌ: يروحُ أهلُ الجنَّة برائحةٍ، فيقولون: رَبَّنا، ما وجدْنا ريحًا منذُ دخلنا الجنَّة أطيبَ من هذه الريح. فيقال: هذه رائحةُ أفواه الصُّوَّام. وقد تفوح رائحة الصيام في الدنيا وتستنشق (١) قبل الآخرة، وهو نوعان:

أحدهما: ما يدركُ بالحواس الظاهِرَةِ. كان عبدُ الله بن غالب من العُبَّاد المجتهدين في الصَّلاة والصِّيام، فلمَّا دُفِنَ كان يفوح من تراب قبره رائحةُ المِسْكِ، فرؤي في المنام، فسُئل عن تلك الرائحة التي توجَدُ من قبره، فقال: تلك رائحةُ التِّلاوةِ والظمإِ (٢).

والنوع الثاني: ما تَستنشِقه الأرواحُ والقلوبُ، فيوجِبُ ذلك للصَّائمين المخلصين المودَّةَ والمحبَّةَ في قلوب المؤمنين. وفي حديثِ الحارث الأشْعَريِّ، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن زكريَّا عليه السَّلام قال لبني اسرائيلَ: آمُرُكُم بالصِّيام، فإنَّ مَثَلَ ذلك كَمَثَلِ رَجُلٍ في عصابةٍ، معه صُرَّةٌ فيها مِسْكٌ، فكلُّهم يُعجبه ريحُه، وإنَّ رِيحَ الصائم (٣) أطيبُ عندَ الله من ريح المسك". خرَّجه الترمذي (٤) وغيرُه.


= فقد جعتم، واشربوا فقد عطشتم، ذروا الناس يستريحوا فقد عييتم إذا استراح الناس، فيأكلون ويشربون والناس معلقون في الحساب في عناءٍ وظمأ". وجاء بعده الحكاية التالية، وهي ناقصة من الآخر، زيدت في المطبوع نقلًا عن إحدى النسخ ولم ترد في غيرها، كما لم ترد في نسخنا المعتمدة، ولعلها من إضافات الناسخ، وهي: "حكي عن سهل بن عبد الله التُّسْتَري الزاهد رحمه الله: أنه كان يواظب على الصيام، فمرَّ يومًا بتمَّار وبين يديه رطب حسن، فاشتهت نفسه، فردَّ شهوتها، فقالت نفسه: فعلْتَ بي كلَّ بليَّةٍ؟ من سهر الليالي، وظمإِ الهواجر، فأعطني هذه الشهوة، واستعملني في الطاعة كيف شئت. فاشترى سهل من الرطب وخبز الحواري وقليل شوي، ودخل موضعًا ليأكل، فإذا رجلان يختصمان، فقال أحدهما: إني محقٌّ وأنت مبطل، أتريد أن أحلف لك أنِّي محقٌّ وأنَّ الأمر على ما زعمْتُ؟ قال: بلى. فحلف، قال: وحقِّ الصائمين إنِّي محقٌّ في دعواي. فقال: هذا مبعوث الحقِّ تعالى إلى هذا السوط بي، ثم أخذ بلحيته وقال: يا سهل! بلغ من شرفك وشرت صومك حتى يحلفَ العبادُ بصومك، فيقول: وحق الصائمين، ثم تفطرُ أنت على قليل رطب … ".
(١) في ش، ع: "فتستنشق".
(٢) انظر الخبر في "صفة الصفوة" ٣/ ٣٣٤.
(٣) في آ، ب، ط: "الصيام".
(٤) قطعة من حديث طويل أخرجه الترمذي رقم (٢٨٦٧) في الأمثال: باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد في "مسنده" ٤/ ١٣٠ والحاكم في "المستدرك" وصححه.

<<  <   >  >>