للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مالك في الموطأ (١) بلاغًا. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناسِ كُلِّهم.

وخرَّجَ ابنُ عدي (٢) بإسنادٍ فيه ضَعفٌ من حديث أنسٍ مرفوعًا: "ألا أخبِرُكُم بالأَجْوَدِ الأجْوَدِ؟ اللهُ الأجْوَدُ الأجْوَدُ، وأنا أَجْوَدُ بني آدَمَ، وأجودُهم من بعدي رجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فنشَرَ عِلْمَه، يُبْعَثُ يومَ القيامةِ أمَّةً وحدَهُ، ورجلٌ جَادَ بنفسِهِ في سبيل الله". فدَلَّ هذا على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بني آدمَ على الإِطلاق، كما أنه أفضلُهم وأعلَمُهم وأشجعُهم وأكملُهم في جميع الأوصافِ الحميدة.

وكان جودُهُ بجميع أنواعِ الجُودِ، مِن بذْلِ العِلْم والمالِ، وبذْلِ نفسِه لله تعالى في إظهار دينه وهِداية عِبَاده، وإيصال النفع إليهم بكُلِّ طريقٍ؛ من إطعام جائعهم، ووعظ جاهِلِهم، وقضاءِ حوائجهم، وتحمُّلِ أثقالهم.

ولم يزَلْ - صلى الله عليه وسلم - على هذه الخِصال الحميدة منذ نَشَأ، ولهذا قالت له خديجةُ في أوَّل مبعثِه: واللهِ، لا يُخزيك اللهُ أبدًا، إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتحمِلُ الكَلَّ (٣)، وتَكِسِبُ المعدومَ، وتُعينُ على نوائبِ الحَقِّ (٤).

ثم تزايدَتْ هذه الخصال فيه بَعْدَ البعثةِ وتضاعَفَتْ أضعافًا كثيرةً.


(١) في ش: "في موطئه مرسلًا بلاغًا". والحديث في الموطأ ٢/ ٩٠٤ في حسن الخلق: باب ما جاء في حسن الخلق، وإسناده منقطع، ولكن للحديث شواهد بمعناه يرتقي بها إلى درجة الحسن، قال الزرقاني: رواه أحمد وقاسم بن أصبغ والحاكم والخرائطي برجال الصحيح، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وقال ابن عبد البر: هو حديث مدني صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره، وللطبراني عن جابر مرفوعًا "إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال". انظر جامع الأصول ٤/ ٤. ولفظه في "الموطأ": عن مالك بن أنس رحمه الله، بَلَغَه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بُعثت لأتمم حسن الخُلُق".
(٢) الكامل لابن عدي ١/ ٣٥٠ عن أيوب بن ذكوان، قال: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. وأخرجه أبو يعلى بهذا السند في "مسنده" ٥/ ١٧٦. وذكره السيوطي في "اللآليء المصنوعة" ١/ ٢٠٦ - ٢٠٧ وقال: "قال ابن حبان: منكر باطل، وأيوب منكر الحديث، وكذا نوح [بن ذكوان] ". ثم قال: "رواه أبو يعلى في مسنده، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات". وقد ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٩/ ١٣ وقال: "رواه أبو يعلى، وفيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك".
(٣) الكَلُّ: الثِّقل من كل ما يُتَكلَّف، والعِيال. (النهاية ٤/ ١٩٨).
(٤) من حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه البخاري ١/ ٢٢ - ٢٧ في بدء الوحي، وفي الأنبياء، باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا}، وفي تفسير سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وفي =

<<  <   >  >>