للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (١). فيفاضُ على المتَّقين في أوَّلِ الشهْرِ خِلَعُ الرَّحمةِ والرُّضوانِ، ويُعامَلُ أهلُ الإحسان بالفضل والإِحسان. وأمَّا أوسطُ الشهر، فالأغلبُ عليه المغفِرَةُ، فيُغفَرُ فيه للصَّائمين وإن ارتكَبُوا بعضَ الذنوب الصغائر فلا يمنعهم ذلك من المغفرة، كما قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} (٢).

وأمَّا آخِرُ الشهر فيُعتقُ فيه من النار مَن أوبقَتْه (٣) الأوزار، واستوجَب النار بالذنوب الكبار.

وفي حديث ابن عباس المرفوع: "لله في كُل ليلةٍ في شهر رمضان عند الإفطار ألفُ ألفُ عتيقٍ من النار، فإذا (٤) كان ليلةُ الجمعة أو يوم الجمعة، أعتق في كل ساعةٍ فيها ألف ألف عتيق من النار، كلُّهم قد استوجَبُوا العذاب (٥)، فإذا كان آخر ليلةٍ من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتَقَ مِن أول الشهر إلى آخِرِه. خرجه سلمة بن شبيب وغيرُه. وإنما كان يوم الفطر من رمضان عيدًا لجميع الأمة، لأنَّه يعتَقُ فيه أهلُ الكبائر من الصَّائمين مِن النار، فَيَلْتَحق فيه المذنبون بالأبرار. كما أن يوم النَّحر هو العيدُ الأكبر؛ لأنَّ قبلَه يومَ عَرَفَةَ، وهو اليوم الذي لا يُرَى في يوم من الدنيا أكثَرُ عتقًا من النار منه، فمن أُعتِقَ من النَّار في اليومين فله يومُ عيدٍ، ومَن فاته العِتْق في اليومين فله يومُ وعيدٍ. [أنشد الشبلي] (٦):

ليس عيدُ المحبِّ قَصْدَ المصلَّى … وانتظارَ الأميرِ والسُّلطانِ

إنَّما العيدُ أن تكون لَدَى اللهِ … كَريمًا مُقَرَّبًا في أمانِ

ورؤي بعضُ العارفين ليلةَ عيدٍ في فلاةٍ يبكي على نفسِه وينشِدُ:

بِحُرْمَةِ غُرْبَتي كم ذا الصُّدُودُ … أَلَا تعطِف عليَّ أَلا تَجُودُ

سُرورُ العيدِ قد عَمَّ النَّواحِي … وَحُزْنِي في ازْدِيادٍ لا يَبيدُ

فإنْ كنْتُ اقْتَرَفْتُ خلالَ سُوءٍ … فَعُذْرِي في الهَوَى أن لا أعودُ


(١) سورة الأعراف الآية ١٥٦.
(٢) سورة الرعد الآية ٦.
(٣) أوبقته: أهلكته.
(٤) حتى قوله: "من النار" ساقط في ط.
(٥) في ب، ط: "النار".
(٦) زيادة من آ، ش، ع.

<<  <   >  >>