للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَن أتى بها أربعَ مرارٍ: حين يُصبح وحين يُمسي، أعتَقَه الله مِن النار، ومَن قالها خالصًا (١) من قلبه حرَّمه الله على النار.

وأمَّا كلمةُ الاستغفار، فمِن أعظَمِ أسبابِ المغفرة، فإن الاستغفار دعاءٌ بالمغفرة، ودُعاءُ الصَّائم مستجابٌ في حالِ صيامِه، وعند فِطْره. وقد سَبَقَ حديثُ أبي هريرة المرفوع: وَيُغْفَرُ فيه - يعني شهرَ رمضان - إلَّا لمن أبى. قالوا: يا أبا هريرة! ومن أبى؟ قال: مَن أبى أن يستغفِرَ الله عزَّ وجلَّ. قال الحسن: أكثِروا من الاستغفار، فإنكم لا تدرون متى تنزِلُ الرَّحمة. وقال لقمان لابنه: يا بُني! عَوِّدْ لسانَكَ الاستِغفار؛ فإنَّ لله ساعاتٍ لا يَرُدُّ فيهنَّ سائلًا. وقد جمع الله بين التوحيد والاستغفار في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (٢). وفي بعض الآثار: أن إبليس قال: أهلكْتُ الناس بالذُّنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفارِ. والاستغفارُ خِتامُ الأعمال الصَّالحة كلِّها؛ فتختم به الصَّلاةُ والحجُّ وقيامُ الليل، ويختم به المجالسُ؛ فإنْ كانت ذكرًا كان كالطابع عليها، وإن كانت لغوًا كان كفَّارَةً لها، فكذلك ينبغي أن يُختم صيامُ رمضانَ بالاستغفار.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضانَ بالاستغفارِ والصَّدقةِ، صدقة الفطر؛ فإنَّ صَدَقَةَ الفِطْر طُهْرَةٌ للصَّائم من اللغو والرَّفَثِ. والاستغفارُ يُرقع ما تخرَّقَ من الصِّيام باللغو والرَّفَثِ؛ ولهذا قال بعضُ العلماء المتقدمين: إنَّ صدَقَة الفِطْر للصائم كسجدتي السَّهْو للصَّلاة. وقال عمر بن عبد العزيز في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٣)، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٤) وقولوا (٥) كما قال إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (٦)، وقولوا كما قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ


(١) في ط: "مخلصًا".
(٢) سورة محمد الآية ١٩.
(٣) سورة الأعراف الآية ٢٣. وبداية الآية: "قالا ربنا" أي قال آدم وزوجه. راجع الآيات ١٩ - ٢٢.
(٤) سورة هود الآية ٤٧.
(٥) حتى قوله: "يوم الدين" ساقط في ط.
(٦) سورة الشعراء الآية ٨٢.

<<  <   >  >>