للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (١)، وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين} (٢).

ويُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: الغِيبةُ تخرِّقُ الصِّيام، والاستغفارُ يُرَقِّعُهُ؛ فمن استطاعَ منكم أن يجيء بصومٍ مُرقّعٍ فليفعل. وعن ابن المنكدر: معنى ذلك: الصيامُ جُنَّةٌ مِن النَّار ما لم يَخْرِقْها (٣)، والكلامُ السيء يخرقُ هذه الجُنَّة، والاستغفارُ يرقِّعُ ما تخرَّقَ منها. فصيامُنا هذا يحتاج إلى استغفارٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ، له شافعٌ. كم نخرِقُ صيامَنا بسهام الكلام، ثم نرقِّعُه وقد اتَّسَع الخَرْقُ على الرَّاقع. كم نرفو خُرُوقَه بمخيط الحسنات، ثم نقطعه بحسامِ السيئات القاطع. كان بعضُ السَّلف إذا صلَّى صلاةً استغفَرَ مِن تقصيره فيها، كما يسَتغفر المذنبُ من ذنبه. إذا كان هذا حالُ المحسنين في عباداتهم، فكيف حالُ المسيئين مثلِنا في عباداتهم. ارحموا مَن حسناتُه سيئات، وطاعاته كلُّها غفلات.

أستغفِرُ الله من صِيامي … طولَ زماني ومِن صَلاتي

صِيامنا (٤) كلُّه خُرُوقُ … وصلاته (٥) أيَّما صلاتي

مستيقظٌ في الدُّجَى ولكنْ … أحسَنُ مِن يقظتِي سُبَاتي

وقريبٌ مِن هذا أمْرُ النبي عليه السلام لعائشة في ليلة القَدْرِ بسؤال العَفْوِ؛ فإنَّ المؤمن يجتهدُ في شهر رمضانَ في صيامِه وقيامِه، فإذا قرُبَ فراغُه وصادَفَ ليلَةَ القَدْرِ، لم يسألِ الله تعالى إلَّا العَفْوَ، كالمسيء المقصِّر. كان صِلَةُ بن أشيم يحيي الليلَ، ثم يقول في دعائه في السَّحَر: اللهم، إنِّي أسألك أن تجيرني من النار، ومثلي يجترئ أن يسألك الجنَّةَ. كان مطرِّف يقولُ في دعائه: اللهم، ارْضَ عنَّا، فإن لم


(١) سورة القصص الآية ١٦.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٨٧.
(٣) من حديث أخرجه النسائي ٤/ ١٦٧، ١٦٨ في الصيام: باب فضل الصيام عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الصوم جُنَّة، ما لم يَخْرِقْها". ورواه الدارمي ٢/ ١٥، وقال: ما لم يخرقها، يعني بالغيبة، وهو حديث حسن.
(٤) في آ: "صيامي"، وفي ب: "صوم ترى"، وفي ط: "يوم يرى"، وأثبت ما جاء في ش، ع.
(٥) في ب، ط: "صلاته"، وفي آ: "وصلاة".

<<  <   >  >>