للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترضَ عنَّا فاعْفُ عنَّا. قال يحيى بن معاذ: ليس بعارفٍ مَن لم يكُن غايةُ أملِه من الله العَفْوَ.

إنْ كُنْتُ لا أصلُحُ لِلْقُرْبِ … فشأنُكُم عَفْوٌ عن الذَّنْبِ

أنفَعُ الاستغفار ما قارنَتْهُ التَّوْبَةُ، وهي حَلُّ عُقدةِ الإِصرار (١)، فمن استغفر بلسانِه وقلبُه على المعصية معقودٌ، وعزمُه أن يرجعَ إلى المعاصي بعدَ الشهر ويعُود، فَصَوْمُه عليه مردود، وبابُ القَبول عنه مسدود. قال كعبٌ: من صَامَ رمضانَ وهو يحدِّثُ نفسَه أنَّه إذا أفطر بعد رمضان أن لا يعصي الله، دَخَلَ الجنَّة بغير مسألةٍ ولا حسابٍ. ومَن صام رَمضانَ وهو يحدِّثُ نفسَه أنَّه إذا أفطر بعدَ رمضان عصَى ربَّه، فصيامُه عليه مردود. وخرَّجَه سلمة (٢) بن شبيب.

ولولا التُّقَى ثمَّ النُّهَى خَشْيَةَ الرَّدَى … لعاصيت في وقت الصّبا كُلَّ زاجر (٣)

قَضَى ما قَضَى فيما مَضى ثم لا تُرى … لَهُ عَوْدَة أُخْرَى اللَّيالي الغَوَابر (٤)

في سنن أبي داود (٥) وغيرِه عن أبي بَكْرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا يقولَنَ أحدُكمِ: صُمْتُ رَمضانَ كُلَّه، ولا قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّه". قال أبو بكرة: فلا أدري، أَكَرِهَ التَّزكيةَ أم لا بُدَّ من غَفْلَةٍ.

أين من كان إذا صام صانَ الصِّيامَ، وإذا قام استقام في القيام؟ أحسَنوا (٦) الإِسلام ثم رحلوا بسلام، ما بقي إلَّا مَن إذا صام افتخر بصيامه وصال، وإذا قام أعجب بقيامه، وقال: كم بين خَليٍّ وشَجِيٍّ، وواجِدٍ وفاقِدٍ، وكاتمٍ ومبدي. وأمَّا سؤالُ الجنَّة والاستعاذة مِن النار فمن أهم الدعاء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حولَهما ندَنْدِنُ" (٧)،


(١) أي الإصرار على الذنب.
(٢) في ش، ط: "مسلمة". وهو سَلَمة بن شبيب النيسابوري، وقد سبقت ترجمته.
(٣) في ط: "في وقت الصبا كل راجب".
(٤) في ط: "الغوايب".
(٥) أخرجه أبو داود رقم (٢٤١٥) في الصوم: باب من يقول صمت رمضان كله، والنسائي ٤/ ١٣٠ في الصيام: باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان: رمضان، وفيه عنعنة الحسن البصري.
(٦) في ط: "أحسِنوا الإِسلام ثم ارحلوا".
(٧) جزء من حديث أخرجه أبو داود رقم (٧٩٢) و (٧٩٣) في الصلاة: باب في تخفيف الصلاة؛ عن أبي صالح رحمه الله، عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل:=

<<  <   >  >>