للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "الحَجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إِلَّا الجنَّة" (١).

وفي المسند (٢) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سئلَ: أيُّ الأعمال أفضَلُ؟ قال: إِيمانٌ بالله وحدَه، ثم الجِهادُ، ثم حَجَّةٌ بَرَّةٌ تفضُلُ سائرَ الأعمال كما بين (٣) مطلع الشمس إِلى مَغْربها.

وثبَتَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "مَنْ حَجَّ هذا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَم يفسُقْ خَرَجَ مِن ذنوبِهِ كيومِ وَلَدتْهُ أمُّه" (٤). فمغفرة الذنوب بالحجِّ، ودخول الجنَّة به مرتبٌ على كون الحجِّ مبرورًا. وإِنَّما يكون مبرورًا باجتماع أمرين فيه:

أحدهما: الإِتيان فيه بأعمال البِرِّ؛ والبِرُّ يطلق بمعنيين:

أحدهما: بمعنى الإِحسان إِلى الناس، كما يقال: البِرّ والصِّلة، وضِدُّه العُقُوق. وفي صحيح مسلم (٥) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن البِرّ، فقال: البر: حُسْنُ الخُلُقِ (٦).

وكانَ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يقولُ: إِنَّ البِرَّ شَيْءٌ هَيِّنٌ (٧)؛ وجْهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن (٨). وهذا يُحتاجُ إِليه في الحجِّ كثيرًا، أعني معاملة الناس بالإِحسان بالقول والفعل. قال بعضُهم: إِنَّما سُمِّي السفر سَفَرًا؛ لأنَّه يُسْفِرُ عن أخلاقِ الرجال (٩). وفي المسند (١٠).


(١) رواه الشيخان وغيرهما.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٣٤٢، قال الهيثمي في "الزوائد" ٣/ ٢٠٧: "رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح". وقال المنذري في "الترغيب" ٢/ ١٦٥: "ورواة أحمد إِلى ماعز رواة الصحيح، وماعز هذا: صحابي مشهور غير منسوب".
(٣) في الأصول: "ما بين" وصحح من مسند أحمد وغيره.
(٤) رواه الإِمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٢٩، ٤١٠، ٤٨٤، ٤٩٤، والمنذري في "الترغيب" ٢/ ١٦٣، وقال: رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي إِلا أنه قال:" غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه". وانظر "فتح الباري" ٤/ ٢٠.
(٥) رقم (٢٥٥٣) في البر والصلة: باب تفسير البر والإِثم، ورواه الترمذي رقم (٢٣٩٠) في الزهد: باب ما جاء في البر والإِثم.
(٦) قال النووي: قال العلماء: البرّ يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف، والمبرة، وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق.
(٧) في ب: "هَيْن .. لَيْن" بالتخفيف، وكلاهما جائز.
(٨) نظمه بعضهم، فقال: بُنيَّ إِنَّ البِرَّ شيء هيِّن … وَجْهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن.
(٩) في آ: "الرجل".
(١٠) ٣/ ٣٢٥ و ٣٣٤ وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٠٣ حتى قوله: "إِلا الجنة" وقال: "رواه أحمد وفيه محمد بن ثابت وهو ضعيف"، ثم أورده تامًا عن جابر أيضًا، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وإِسناده حسن". وقال المنذري في "الترغيب" ٢/ ١٦٥: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإِسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والحاكم مختصرًا،: قال: صحيح الإِسناد".

<<  <   >  >>