للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلما أنفق منه يبتغي به وَجْهَ الله فهو له صدقَةٌ يؤجَرُ عليها، حتى ما يُطعم نفسَه فهو له صَدَقَةٌ، وما يطعِمُ وَلَدَه فهو له صدقة، وما يُطْعِمُ أهلَه فهو له صدقة، وما يطعِمُ خادِمَه فهو له صَدَقَةٌ. وكان عامة أهلِ الأموال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا القِسم.

قال أبو سليمان: كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف خازنين من خزان الله تعالى في أرضه، ينفقان في طاعته، وكانت معاملتهما لله بقلوبهما. ورأس المنفقين أموالَهم في سبيل الله من هذه الأمة أبو بكر الصَّدِّيق رضي الله عنه، وفيه نزلت هذه الآية {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (١).

وفي صحيح الحاكم (٢) عن ابن الزُّبير، قال: قال أبو قُحَافة لأبي بكر: أراك تُعتِقُ رِقابًا ضِعَافًا، فلو أنَّك إِذا فعلْتَ ما فعلْتَ أعتقْتَ رجالًا جُلدًا، يمنعونك وَيقُومُون دُونَك. فقال أبو بكر: يا أبت! إِنِّي إِنَّما أريدُ ما أريدُ. قال: وإِنَّما نزلت هذه الآيات فيه {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (٣) إِلى آخر السورة.

ورُوِي من وجهٍ آخر عن ابن الزبير، وخرَّجه الإِسماعيلي، ولفظُه أن أبا بكرٍ كان يبتاع الضَّعَفَةَ فيعتِقُهم، فقال له أبو قحافة: يا بني، لو ابتعت من يمنع ظهرك. فقال: يا أبتِ، مَنْعَ ظَهْرِي أريدُ. ونزلت فيه {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}، إِلى آخر السورة.

وخرَّج أبو داود (٤) والترمذي من حديث عمر، قال: أمرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدَّق، ووافَقَ ذلك عندِي مالًا، فقلْتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بكر إِن سبقته يومًا. قال:


= وفي الرقاق: باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها. ومسلم رقم (١٠٥٢) في الزكاة: باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا. وأخرجه النسائي ٥/ ٩٠ في الزكاة: باب الصدقة على اليتيم. والخضرة: الناعمة الغَضَّة.
(١) سورة الليل الآيات ١٧ - ٢١.
(٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٢٥ على شرط مسلم ولم يخرجاه، وانظر الدر المنثور ٨/ ٥٣٥.
(٣) سورة الليل الآية ٥ وما بعدها.
(٤) رواه أبو داود رقم (١٦٧٨) في الزكاة: باب في الرخصة في الرجل يخرج من ماله. والترمذي رقم (٣٦٧٦) في المناقب: باب الصدّيق ينفق كل ماله، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ١/ ٤١٤ على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. والبيهقي في "سننه" ٤/ ١٨١.

<<  <   >  >>