للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها تدركُ الأخرى فإِنْ أنا بِعتُها … بشيءٍ مِن الدُّنيا فذاكَ هو الغَبَنْ

لئن ذهَبَتْ نفسِي بِدُنيا أصبْتُها … لقد ذَهَبَتْ نَفْسِي وقد ذَهَبَ الثَّمَنْ

وأمَّا مَن كان يطلبُ اللهَ فهو أكبَرُ النَّاسِ عندَه، كما أنَّ مطلوَبهُ أكبَرُ مِن كُلِّ شيءٍ كما قيل:

لَهُ هِمَمٌ لا مُنْتَهَى لكبارِها … وهِمَّتُه الصُّغْرَى أَجَلُّ مِنَ الدَّهْرِ

قال الشِّبْلِيُّ: مَن رَكَنَ إِلى الدنيا أحرقَتْه بنارِها، فصار رَمَادًا تذرُوه الرِّياحُ؛ ومن رَكَنَ إِلى الآخِرة أَحرَقَتْه بنورِها، فصار سَبيكةَ ذَهَب يُنْتَفَعُ به؛ ومَن رَكَنَ إِلى الله أحرَقَهُ بنور (١) التوحيد، فصار جوهرًا لا قِيمَةَ له. العاليَ الهِمَّة يجتَهِدُ في نَيْل مطلوبِهِ، ويبذُلُ وُسْعَهُ في الوصول إِلى رِضَا محبوبه. فأمَّا خسِيسُ الهِمَّةِ فاجتهادُه في متابعة هواهُ، ويتَّكِلُ على مجرَّد العفو، فيفوته إِن حصَلَ له العفو منازلُ السَّابقين المقرَّبين. قال بعضُ السَّلف: هَبْ أنَّ المسيءَ عُفِي عنه، أليس قد فاتَهُ ثوابُ المحسنين؟

فيا مُذنبًا يرجُو مِنَ الله عَفْوَهُ … أَتَرْضَى بسبقِ المتقين إِلى اللهِ

لمَّا تنافَسَ المتنافسون في نيل الدَّرجاتِ، غَبَطَ بعضُهم بعضًا بالأعمال الصَّالحات. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَسَدَ إِلَّا في اثْنتين؛ رَجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا فهو يُنْفِقُهُ في سبيل الله آناءَ اللَّيل وآناءَ النَّهارِ، ورجلٌ آتاهُ الله القرآنَ فهو يَقُومُ به آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهار".

وفي رواية: "لا تحاسُدَ إِلَّا في اثْنتين؛ رجلٌ آتاه الله القرآنَ فهو يتلُوه آناءَ اللَّيل والنَّهار، يقول: لو أوتِيتُ مثلَ ما أُوتِي هذا لفعلْتُ كما يفعَلُ؛ ورجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا فهو يُنْفِقُه في حَقِّه، يقول: لو أُوتيتُ مِثْلَ ما أوتِي هذا لَفَعَلْتُ كما يَفْعَلُ". وهذا الحديث في الصحيحين (٢).


(١) في آ، ش: "أحرقه نور التوحيد".
(٢) ساق المؤلف الحديثين بالمعنى، وهما عند البخاري ٩/ ٧٣ في فضائل القرآن: باب اغتباط صاحب القرآن، وفي التمني، وفي التوحيد. وعند مسلم رقم (٨١٥) في صلاة المسافرين: باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه. ورواه الترمذي رقم (١٩٣٧) في البر والصلة: باب ما جاه في الحسد.

<<  <   >  >>