للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الترمذي (١) وغيرِه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِنَّما مَثَلُ هذه الأمَّة كأربَعَةِ نَفَرٍ؛ رجلٍ آتاهُ الله مالًا وعِلْمًا، فهو يَعْمَلُ بِعِلْمِه في مالِه يُنْفِقُه في حقِّه؛ ورجُلٍ آتاهُ. الله عِلْمًا ولم يؤتِه مالًا، وهو يقول: لو كان لي مثلُ هذا لَعَمِلْتُ فيه مثلَ الَّذي يعمَلُ. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهما في الأَجْرِ سَوَاءٌ. ورجلٍ آتاهُ الله مالًا ولم يؤتِه عِلْمًا، فهو يَخْبِطُ في مالِهِ يُنْفِقُه في غَيْرِ حَقِّه. ورجلٍ لم يؤتهِ اللهُ عِلْمًا ولا مالًا، فهو يقول: لو كان لي مالُ (٢) هذا عَمِلْتُ فيه مِثْلَ الَّذي يَعْمَلُ. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فهما في الوِزْرِ سَواءٌ".

وروى حُمَيْد بن زَنْجَوَيه (٣) بإِسناده، عن زيد بن أسلم، قال: يؤتَى يومَ القيامة بفقيرٍ وغنيٍّ اصطحبا في الله، فيوجَدُ للغني فَضْلُ عَمَلٍ فيما كان يصنَعُ في ماله، فيُرفَعُ على صاحبه، فيقولُ الفقير: ياربّ! لِمَ رَفعتَهُ؟ وإِنَّما اصطحبنا فيك، وعَمِلْنا لك. فيقول الله تعالى: له فَضْلُ عَمَلٍ بما صَنَعَ في ماله، فيقول: ياربّ! لقد علمْتَ لو أعطيْتَني مالًا لصنَعْتُ مثلَ ما صنع، فيقول: صدَقَ، فارفعوه إِلى منزلة صاحبه.

ويؤتى بمريضٍ وصحيحٍ اصطحبا في الله، فيرفَعُ الصَّحيحُ بفضلِ عمله، فيقول المريض: يا ربِّ! لِمَ رَفعْتَه عليَّ؟ فيقول: بما كان يعمَلُ في صحته. فيقول: يا ربّ! لقد عَلِمْتَ لو أَصْحَحْتني لعمِلْتُ كما عَمِلَ، فيقول الله: صَدَقَ فارفعُوه إِلى درجة صاحبه. ويؤتى بِحُرٍّ ومملوكٍ اصطحبا [في الله] (٤) فيقولُ مثل ذلك. ويؤتى بحَسَنِ الخُلُقِ وسيئ الخُلُقِ، فيقول: يا ربِّ! لمَ رفعْتَه عليَّ، وإِنَّما اصطحبنا فيك وعملنا؟ فيقول: بحُسْنِ خُلُقِه، فَلا يجِدُ له جوابًا.

العاقِلُ يغبِطُ من أنفَقَ ماله (٥) في سبيل الخيرات ونيل علوِّ الدَّرجات، والجاهلُ يغبِطُ مَن أَنْفَقَ مالَه في الشَّهوات وتوصَّل به إِلى اللَّذَّاتِ المحرَّمات. قال الله تعالى


(١) أخرجه الترمذي رقم (٢٣٢٦) في الزهد: باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه رقم (٤٢٢٨) في الزهد: باب النيَّة، وأحمد في"المسند" ٤/ ٢٣٠ و ٢٣١، واللفظ لهما.
(٢) في مسند أحمد وابن ماجه: "مثل هذا".
(٣) هو حُمَيْد بن مَخلَد بن قتيبة بن عبد الله الأزدي النَّسائي، صاحب كتاب "الترغيب والترهيب" وكتاب "الأموال" وغير ذلك، كان أحد الأئمة المجوِّدين، وثقه النسائي، مات سنة ٢٥١ هـ. (سير أعلام النبلاء ١٢/ ١٩، تهذيب الكمال ٧/ ٣٩٢).
(٤) زيادة من ب، ط.
(٥) في آ، ش، ع: "أمواله".

<<  <   >  >>