للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد دَلَّ على ذلك أيضًا ما خرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ (١) والترمذيّ من حديث أبي الدَّرْدَاء، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُمْ، وأرفعِها في دَرَجَاتِكم، وخَيْرٍ لكُم من إِنفاق الذَّهب والوَرِق، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم فتضربُوا أعناقَهُم ويَضْرِبوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى، يا رسولَ الله.

قال: ذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ". وخرَّجه مالك في "الموطأ" (٢) موقوفًا.

وخرَّج الإِمام أحمد (٣) والترمذي أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أيُّ العِبادِ (٤) أفضَلُ دَرَجَةً عند اللهِ يَوْمَ القِيامة؟ قال: الذَّاكِرُون اللهَ كَثيرًا. قلت: يا رسولَ الله! ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضَرَبَ بسَيْفِه الكُفَّار والمشركينَ حتَّى يَنْكَسِرَ ويَخْتَضِبَ دَمًا، لكان الذَّاكرون الله عزَّ وجلَّ أفضَلَ منه دَرَجَةً". وقد رُوِي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وطائفةٍ من الصَّحابة موقوفًا. وإِن الذِّكْرَ لله أفضلُ من الصَّدقة بعدَّتِه دراهمَ ودنانيرَ، ومن النفقة في سبيل الله. وقيل لأبي الدَّرداء رضي الله عنه: رجلٌ أعتَقَ مائة نَسَمَةٍ. قال: إِنَّ مائة نَسَمةٍ من مال رجلٍ كثيرٌ، وأفضَلُ من ذلك إِيمانٌ ملزُومٌ بالليل والنهار، وأن لا يزالَ لسانُ أحدكم رَطْبًا من ذكر الله عزَّ وجلَّ. وعنه قال: لأنْ أقولَ "لا إِله إِلَّا الله والله أكبر" مائة مرة أحَبُّ إِليَّ من أن أتصدَّقَ بمائة دينارٍ.

ويُروى مرفوعًا وموقوفًا من غير وجهٍ. مَن فاتَهُ اللَّيلُ أن يكابدَه، وبخِلَ بماله (٥)


(١) رواه أحمد في "المسند" ٥/ ١٩٥ و ٦/ ٤٤٦، والترمذي رقم (٢٣٧٧) في الدعاء: باب قم (٦)، وابن ماجه رقم (٣٧٩٠) في الأدب: باب فضل الذكر، والحاكم في "المستدرك" ١/ ٤٩٦ وصححه ووافقه الذهبي. وفي "الترغيب" ٢/ ٣٩٥ قال المنذري: "رواه أحمد بإِسناد حسن، وابن أبي الدنيا، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإِسناد، ورواه أحمد أيضًا من حديث معاذ بإِسناد جيد، إِلا أن فيه انقطاعاً".
(٢) الموطأ ١/ ٢١١ في القرآن: باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى.
(٣) أخرجه الترمذي رقم (٣٣٧٣) في الدعوات: باب رقم (٥)، ورواه أحمد في "المسند" ٣/ ٧٥ من حديث دراج بن سمعان أبي السمح، عن أبي الهيثم سليمان بن عمرو العتواري، عن أبي سعيد الخدري. وحديث دراج عن أبي الهيثم ضعيف، ولذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب، إِنَّما نعرفه من حديث دراج.
(٤) في ط: "العبادة"، وهي رواية ثانية، وفي هامش المطبوع عن نسخة "العمل".
(٥) في ب، ط: "بالمال".

<<  <   >  >>