للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن ينفِقَه، وجَبُنَ عن عَدُوِّه أن يقاتلَه، فليكثر من "سبحانَ الله وبحمده"؛ فإِنَّها أحَبُّ إِلى الله من جَبَلِ ذهبٍ أو فضّةٍ يُنفقه في سبيل الله عزَّ وجلَّ. وذِكْرُ اللهِ من أفضل أنواع الصَّدَقة. وخرَّج الطبراني (١) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "ما صدَقَةٌ أفضَلُ من ذِكْرِ الله عزَّ وجلَّ".

وقد قال طائفة من السَّلف في قول الله عزَّ وجلَّ: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (٢): إِنَّ القرضَ الحسَنَ قولُ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلا الله، والله أكبر. وفي مراسِيلِ الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما أنفَقَ عبدٌ نفقَةً أفضَلَ عندَ الله عزَّ وجلَّ من قولٍ ليس من القرآن وهو من القرآن: "سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إِلَّا الله، والله أكبر" (٣).

وروى عبد الرزَّاق في كتابه (٤)، عن مَعْمَر، عن قَتَادَةَ، قال: قال ناسٌ مِن فقراء المؤمنين: يا رسولَ الله! ذهَبَ أصحابُ الدُّثور بالأُجور؛ يتصدَّقون ولا نتصدَّق، ويُنْفِقون ولا نُنْفِق. فقال: أرأيتم لو أنَّ مالَ الدنيا وُضِعَ بعضُه على بعض أكان بالغًا السَّماءَ؟ قالوا: لا يا رسولَ الله! قال: أفلا أخبركم بشيءٍ أصْلُهُ في الأرض وفَرعُهُ في السَّماء؛ أن تقولوا في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ: لا إِله إِلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمدُ لله، عشرَ مرات؛ فإِنَّ أصْلَهُنَّ في الأرض وفرْعُهن في السَّماء.

وقد كان بعضُ الصَّحابة يظنُّ أن لا صدقَةَ إِلَّا بالمال، فأَخْبرَه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الصَّدَقة لا تختصُّ بالمال، وأن الذِّكر وسائرَ أعمال المعروف صَدَقَةٌ، كما في صحيح مسلمٍ (٥) عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه: "أنَّ ناسًا مِن أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: يا رسولَ اللهِ! ذَهَبَ أهلُ الدُّثور بالأُجُور، يُصَلُّون كما نصلِّي، ويَصُومُون كما نَصُوم،


(١) أورده السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (٣٩٢٥) عن ابن عباس، وعزاه إِلى الطبراني في الأوسط، وذكره الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" رقم (٥٠٨٨). وانظر "كنز العمال" رقم (١٨٠٤) و"الترغيب" ٢/ ٤٠٠ وقد وثق رواته.
(٢) سورة الحديد الآية ١٨.
(٣) وله شواهد في معناه، انظر الترغيب ٤/ ٤٢٢ - ٤٣٠.
(٤) المصنف ٢/ ٢٣٣ برقم (٣١٨٨)، وفي الكنز عنه، وعنوانه "مرسل قتادة" رقم (٤٩٩٤). والدُّثور: جمع دَثْر، وهو المال الكثير.
(٥) رقم (١٠٠٦) في الزكاة: باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف.

<<  <   >  >>