للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان بعضُ من يقعُدُ عن الجهاد من امرأةٍ وضعيفٍ في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يسألُه عن عَمَلٍ يَعدِلُ الجِهادَ.

وفاتَ بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا قدِمَ سألَتْهُ عمَّا يجزئُ من تلك الحجَّةِ، قال: "اعْتَمِري في رَمَضَانَ؛ فإِنَّ عُمْرَةً في رَمَضان تعدِلُ حجَّةً، أو حجَّةً معي" (١).

وقالت عائشة: "يا رسولَ الله! نَرَى الجهادَ أفضَلَ العَمَلِ، أفلا نجاهِدُ؟ قال: جهادُكُنَّ الحَجُّ والعُمْرَةُ" (٢).

وكان منهم من إِذا تخلَّف عن الغزو، واجتهَدَ في مشاركة الغُزاةِ في أجرهم؛ فإِمَّا أن يُخرِجَ مكانه رَجُلًا بمالِهِ؛ وإِمَّا أن يُعينَ غازيًا؛ وإِمَّا أن يَخْلُفَه في أهلِهِ بخيرٍ. فإِنَّ. مَن فَعَلَ هذا كُلَّه فقد غَزَا.

تصدَّق بعضُ الأغنياء بمالٍ كثيرٍ، فبلَغَ ذلك طائفةً من الصَّالحين، فاجتمعوا في مكانٍ، وحسِبوا ما تصدَّق (٣) بهِ من الدَّراهم، وصلّوا بَدَلَ كُلِّ درهمٍ تصدَّقَ به لله ركْعَةً. هكذا يكونُ اسْتِباقُ الخيرات والتنافسُ في عُلُوِّ الدرجات.

كَذَاكَ الفَخْرُ يا هِمَمَ الرِّجالِ … تَعَالَيْ فاَنْظُري كيفَ التَّغالي

سبحان مَن فَضَّلَ هذه الأمَّة وفَتَحَ لها على يَدَيْ نبيِّها، نبيِّ الرَّحمة، أبوابَ الفضائل الجمَّة؛ فما مِن عَمَلٍ عظيمٍ يقومُ به قومٌ ويعجِزُ عنه آخرون، إِلَّا وقد جَعَلَ اللهُ عَمَلًا يُقاوِمُه، أو يفضُلُ عليه، فتتساوى الأُمَّةُ كُلُّها في القُدرة عليه.

لمَّا كان الجهادُ أفضَلَ الأعمالِ ولا قُدرَةَ لكثيرٍ من النَّاسِ عليه، كان الذِّكْرُ الكثيرُ الدَّائمُ يُساويه ويفضُلُ عليه، وكان العملُ في عَشْر ذي الحجَّةِ يفضُلُ عليه، إِلَّا مَن خَرَجَ بنفسِهِ ومالِهِ ولم يرجِعْ منهما بشيء.


(١) أخرجه الشيخان وغيرهما، وانظر رواياته وتخريجها في "جامع الأصول" ٩/ ٤٦٣ - ٤٦٦.
(٢) أخرجه البخاري ٦/ ٧٥ و ٧٦ في الجهاد: باب جهاد النساء، وليس فيه: "والعمرة"، وفي مسند أحمد ٦/ ٧٥ عن عائشة: "الحج والعمرة هو جهاد النساء". وبنحوه ابن ماجه رقم (٢٩٠١) في المناسك: باب الحج جهاد النساء.
(٣) في ش: "ما تصدقوا".

<<  <   >  >>