للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمَّا كان الحجُّ من أفضَلِ الأعمال، والنُّفوسُ تتوقُ إِليه؛ لِما وَضَعَ اللهُ في القلوب من الحنين إِلى ذلك البيت المُعَظَّم (١)، وكان كثير من النَّاسِ يعجِزُ عنه، ولا سيما كُلَّ عامٍ، شَرَعَ الله لعبادِهِ أعمالًا يبلُغُ (٢) أجرُها أَجْرَ الحجِّ، فيتعوَّضُ بذلك العاجزون عن التطوُّع بالحجِّ.

ففي الترمذيِّ (٣)، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَن صلَّى الصُّبْحَ في جماعةٍ (٤)، ثمَّ جَلَسَ في مُصَلَّاه يذكُرُ اللهَ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، ثم صلَّى ركعتين، كان له مثلُ أَجْرِ حجةٍ وعُمرةٍ تامَّةٍ. قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: تَامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ".

شُهُودُ الجُمُعة يَعْدِلُ حجَّةَ تطوُّعٍ؛ قال سعيد بن المسيِّب: هو أحبُّ إِليَّ من حجَّةٍ نافلةٍ؛ وقد جَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المبكِّرَ (٥) إِليها كالمُهْدِي هديًا إِلى بيت الله الحرام. وفي حديث ضعيفٍ: "الجمعة حجُّ المساكين".

وفي تاريخ ابن عساكر: عن الأوزاعي، قال: مَرَّ يونس بنُ مَيْسَرَة بنِ حَلْبَسَ بمقابِرِ "باب توما"، فقال: السَّلام عليكم يا أهلَ القبور، أنتم لنا سَلَفٌ، ونحن لكم تبَعٌ، فرحمنا الله وإِياكم، وغَفَرَ لنا ولكم، فكأنْ قد صِرْنا إِلى ما صِرْتم إِليه. فردَّ اللهُ الرُّوح إِلى رجُلٍ منهم، فأجابَه، فقال: طوبى لكم يا أهلَ الدنيا حين تحجُّون في الشهر أربع مِرارٍ (٦). قال: وإِلى أين يرحَمُكَ .. اللهُ؟ قال: إِلى الجمعة، أَمَا تعلمون أنَّها حجَّةٌ مبرورةٌ متقبَّلةٌ. قال: ما خير ما قدَّمتم؟ قال: الاستغفار يا أهلَ الدنيا. قال: فما يمنعك أن ترُدَّ السَّلامَ؟ قال: يا أهلَ الدنيا، السَّلام والحَسَنَاتُ قد رُفِعَتْ عنَّا، فلا في حَسَنةٍ نزيدُ، ولا في سيئةٍ ننقص؛ غَلِقَتْ (٧) رُهُونُنا، يا أهلَ الدنيا.


(١) في آ: "العظيم".
(٢) في آ: "لا يبلغ".
(٣) رقم (٥٨٦) في الصلاة: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال الترمذي: حسن غريب. والحديث حسن بشواهده إِن شاء الله. وفي الباب أحاديث عديدة ذكرها المنذري في "الترغيب" ١/ ٢٩٤ - ٣٠٢.
(٤) قوله: "في جماعة" لم يرد في ب، ش، ع، وفي الترمذي: "من صلى الغداة في جماعة" وفي هامشه عن نسخة "الفجر".
(٥) في آ: "التبكير".
(٦) في ب، ع: "مرات".
(٧) الغَلَقُ في الرهن: ضد الفك. وغلِق الرهنُ في يد المرتهن، إِذا لم يقدر على افتكاكه.

<<  <   >  >>