للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه يومَ عرفة، وما ذاك إلا لما يُرَى من تَنَزُّل الرحمة، وتجاوزِ اللهِ عن الذُّنوب العِظام، إلَّا ما رؤي يومَ بدرٍ. قيل (١): وما رؤي يوم بدر؟ قال: رأى جبريل عليه السَّلام وهو يَزَعُ الملائكة".

وروى أبو عثمان الصَّابوني (٢) بإسنادٍ له عن رجلٍ كان أسيرًا ببلاد الروم، فهرب من بعض الحصون، قال: فكنْتُ أسيرُ بالليل وأكمُنُ بالنَّهار، فبينا أنا ذات ليلةٍ أمشي بين جبال وأشجارٍ إذا أنا بحسٍّ، فراعني ذلك، فنظرْتُ فإذا راكبُ بعيرٍ، فازددت رُعْبًا، وذلك أنَّه لا يكون ببلاد الروم بعير، فقلت: سبحان الله! في بلاد الروم راكبُ بعيرٍ، إنَّ هذا لعجب (٣). فلمَّا انتهى إليَّ قلْتُ: يا عبدَ الله! من أنت؟ قال: لا تسأل. قلت: إنِّي أرى عجبًا، فأخبرني. فقال: لا تسأل. فأبيْتُ عليه، فقال: أنا إبليس، وهذا وجهي من عرفات، وافقتهم (٤) عشيَّة اليوم أطلِعُ عليهم، فنزلَتْ عليهم الرحمة والمغفرة، ووُهِبَ بعضُهم لبعض، فداخلني الهمُّ والحزنُ والكآبة؛ وهذا وجهي إلى قسطنطيَّة أنفرج (٥) بما أسمعُ من الشرك بالله وادِّعاء أنَّ له ولدًا. فقلْتُ: أعوذ بالله منك. فلمَّا قلْتُ هذه الكلمات لم أرَ أحدًا.

ويشهد لهذه الحكاية حديثُ عبَّاس بن مرداس الذي خرَّجه أحمد وابنُ ماجة (٦) في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمَّته عشيَّة عَرَفَة، ثم بالمزدلِفَةِ، فأجيبَ فضحِكَ - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "إنَّ إبليسَ حين عَلِمَ أن الله قد غَفَرَ لأمتي واستجاب دعائي أهْوَى يحثي التراب على رأسِه، ويدعو بالوَيلِ والثُّبُور؛ فضحكْتُ من الخبيث مِن جَزَعِه".

ويُروى عن علي بن الموفق أنَّه وقف بعرفة في بعض حجَّاته، فرأى كثرة الناس،


(١) قوله: "قيل: وما رؤي يوم بدر" لم يرد في آ، ش.
(٢) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو عثمان الصابوني، النيسابوري، الحافظ، الواعظ، المفسر، شيخ الإسلام، قدم دمشق حاجًّا سنة ٤٣٢ هـ، وحدَّث بها، وعقد مجلس التذكير، روى عن جماعة، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل نيسابور وغيرهم، توفي سنة ٤٤٩ هـ. (مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور ٤/ ٢٦٠، سير أعلام النبلاء ١٨/ ٤٠).
(٣) في آ، ب: "لعجبًا".
(٤) في ط: "رافقتهم".
(٥) في آ: "أتفرج"، وفي ش، ع: "أفرح".
(٦) جزء من حديث طويل رواه ابن ماجة رقم (٣٠١٣) في المناسك: باب الدعاء بعرفة.
قال البوصيري: في إسناده عبد الله بن كنانة، قال البخاري: لم يصح حديثه. ولم أر من تكلم فيه بجرح ولا توثيق. وانظر "الترغيب" ٢/ ٢٠٢.

<<  <   >  >>