للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّما الدُّنيا نَهَارٌ … ضَوْؤه ضَوْءٌ مُعَارُ

بينما عَيْشُكَ غَضٌّ … ناعِمٌ فيه اخْضِرارُ

إذْ رَمَاهُ زَمَناهُ … فإذا فيه اصْفِرارُ

وكذاكَ اللَّيلُ يأتي … ثم يمحُوه النَّهارُ

مَثَلُ حرامِ الدُّنيا كشجرة الدِّفْلَى (١)، تعجِبُ من رآها، وتقتُلُ مَن أكلَها.

نَرَى الدُّنيا وَزَهْرَتَها فنصْبُوا … وما يَخْلُو مِنَ الشَّهوَاتِ قَلْبُ

فُضُولُ العَيْشِ أكثَرُهُ همومٌ … وأكثَرُما يضرُّكَ ما تُحِبُّ

إذا اتفَقَ القليلُ وفيه سِلْمٌ … فلا تُرِدِ الكَثيرَ وفيه حَرْبُ

الذي بشَّر أمَّته بفتح الدنيا عليهم حذَّرهم من الاغترار بزهرتها، وخوَّفهم من خُضْرتِها وحلاوتِها، وأخبرَهم بخرابها وفنائها، وأنَّ بين أيديهم دارًا لا تنقطع خُضْرَتُها وحلاوتُها؛ فمن وقف مع زَهْرةِ هذه العاجِلة انقطَعَ وهَلَكَ، ومَن لم يقفْ مَعَهَا وسار إلى تلك (٢)، وَصَلَ ونجا. في "المسند" (٣) عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه فيما يَرَى النائمُ مَلَكانِ، فقعد أحدُهما عند رأسه، والآخرُ عند رجليه، فقال (٤) أحدُهما للآخر: اضرِبْ له مثَلًا، فقال: إنَّ مَثَلَهُ ومَثَلَ أُمَّتِه كمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ انْتَهَوْا إلى رأسِ مَفَازَةٍ، فلم يكنْ معهم من الزَّاد ما يقطعون به المفازَةَ، ولا ما يرجعون به، فبيما هم كذلك إذْ أتاهم رجلٌ في حُلَّةٍ حِبَرَةٍ، فقال: أرأيتم إنْ وَرَدْتُ بكم رياضًا مُعْشِبةً وحِياضًا رُوَاءً، أَتَتْبعوني؟ قالوا: نعم. قال (٥): فانطلق بهم فأوردهم رياضًا معشِبةً وحياضًا رُواءً، فأكلوا وشربوا وسَمِنوا، فقال لهم: ألم أَلْقَكم على تلك الحال فجعلتم لي إنْ وردت بكم رياضًا معشِبةً وحياضًا رُواءً أن تَتَّبعوني؟ قالوا: بلى. قال: فإنَّ بين أيديكم رِياضًا


(١) الدِّفْلَى: شجر مرٌّ أخضر حسن المنظر، يكون في الأودية .. (اللسان: دفل).
(٢) بعده في ش: "الآجلة".
(٣) مسند أحمد ١/ ٢٦٧، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٨/ ٢٦٠ وقال: "رواه أحمد والطبراني والبزار، وإسناده حسن". وحُلَّة حبرة: ضرب من برود اليمن منمر. والرُّواء: المنظر الحسن.
(٤) في المسند: "فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مَثَلَ هذا وَمَثَل أمته، فقال .. ".
(٥) من هنا حتى قوله: "قالوا: بلى" مكرر في المطبوع، وكذا هي في (ب)، إلا أنها شطبت.

<<  <   >  >>