للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي أعْشَبُ من هذه، وحِياضًا هي أَرْوَى مِن هذه، فاتَّبعوني. قال: فقالت طائفةٌ: صَدَقَ واللهِ، لنتَّبِعَنَّه. وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نُقيمُ عليه. وقد خرَّجه ابن أبي الدنيا وغيرُه عن الحسن مرسلًا بسياقٍ أبسَطَ من هذا، وفيه أنَّهم لما رَتَعوا وسَمِنوا وأعجَبَهم المنزلُ صاح بهم، فقال: ارتحلوا؛ فإنَّ هذه الروضة ذاهِبةٌ، وإنَّ هذا الماء غائرٌ ذاهبٌ، وإنَّ أمامكم روضَةٌ أعشَبُ من هذه، وماءٌ أَرْوَى من هذا الماء. فكرِه ذلك عامَّةُ الناس، وقالوا: ما نريد بهذه (١) بدلًا، وهم أكثر الناس. وقال آخرون: والله إنَّ آخر قوله كأوَّله، ارتحلوا، فأبوا، فارتحل قوم فنجَوا، ولم يشعر الذين أقاموا حتى طرقَهُم العدوُّ ليلًا، فأصبحوا من بين قتيل وأسير.

الدنيا خَضْرَاءُ الدِّمَن (٢). ومعنى ذلك أن خُضْرتَها نابتة على مَزْبَلَةٍ منتنةٍ. يا دَني الهِمَّة، قنِعْتَ بروضةٍ على مَزْبَلةٍ، والملِكُ يدعوك إلى فردوسه الأعلى؛ {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} (٣)، أرضيتم بخرابات البِلى من (٤) الفردوس؟ يا لها صفقة غبن ما أخسرها (٥)! أتقنَعُ بخسائسِ الحشائش والرِّياضُ معشِبةٌ بين يديك؟

فإنْ حَنَنْتَ لِلْحِمَى وَرَوْضِهِ … فبالغَضَى ماءٌ وَرَوْضَاتٌ أُخَر (٦)

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أخذَهُ بحقِّه ووضَعَه في حقِّه، فنِعْمَ المعونة هو؛ ومَن أخذَهُ بغير حقِّه كان كالذي يأكل ولا يشبع" تقسيمٌ لمن يأخذُ المالَ إلى قسمين:

فأحدهما: يُشبِه حالَ آكلةِ الخَضِر، وهو مَن أخذَه بحقِّه ووضَعَه في حقِّه؛ وذكر أنه نِعْم المعونةُ هو؛ فإنَّه نعم العونُ لمن هذه صفته على الآخرة، كما في حديث عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "نعم المالُ الصَّالح للرجُل الصَّالح"، (٧) وهو الذي يأخذُه بحقِّه ويضعه في حَقِّه، فهذا يوصِله مالُه إلى الله عزَّ وجلَّ، فمن أخَذَ من


(١) في آ، ش، ع: "بهذا".
(٢) وفي الحديث: "إياكم وخضراءَ الدِّمَن، قيل: وما ذاك؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء".
(٣) سورة التوبة الآية ٣٨.
(٤) في ط: "في الفردوس الأعلى"، وفي ب: "في الفردوس".
(٥) "ما أخسرها" زيادة من ع، ش.
(٦) هذا البيت لم يرد في ب، ط.
(٧) مسند أحمد ٤/ ١٩٧، وانظر "الفتح" ٨/ ٧٥.

<<  <   >  >>